ستتعلم في هذا المقال الأدوات التصنيفية والتنظيمية التي يستخدمها علماء الأحياء ومن بينها علم التصنيف الحديث (modern taxonomy).
عند النظر إلى الأرض من الفضاء، لا ترى أي دلائل على التنوع في أشكال الحياة التي تقطنها. يسود الاعتقاد أن الحياة الأولية على سطح الأرض كانت في شكل كائنات دقيقة تواجدت طيلة بلايين السنين في المحيط قبل ظهور النباتات والحيوانات. إن كلًا من الثدييات والطيور والأزهار المعتادة بالنسبة إلينا هي حديثة نسبيًا؛ إذ ظهرت قبل نحو 130-200 مليون سنة، أما الإنسان فقد سكن هذا الكوكب لقرابة 2.5 مليون سنة الماضية وفي الـ 200,000 سنة الأخيرة أصبح الإنسان يبدو كما نبدو اليوم.

وفي مواجهة التنوع الهائل في أشكال الحياة؛ كيف نستطيع تنظيمَ الأنواع المختلفة من الكائنات الحية كي نتمكن من فهمهم بشكل أفضل؟
مع اكتشاف كائنات حية جديدة كل يوم، يستمر علماء الأحياء في البحث عن أجوبة هذه الأسئلة وأسئلة أخرى. سنناقشُ في هذا المقال علم التصنيف (taxonomy)، الذي يعرض التنوع الكبير في الحياة ويحاول تنظيم الكائنات الحية في شكل نستطيع فهمه.
نتائج التعلم في هذا المقال:
- معرفة مدى التنوع في الحياة.
- معرفة الغرض من شجرة التطور.
- شرح كيفية تنظيم العلاقات في نظام التسمية الثنائية.
تنوّع الحياة (The Diversity of Life)
يُعبّر التنوع الحيوي (Biological diversity) عن أشكال الحياة المختلفة على سطح الأرض، ويتضمن ذلك: النباتات والحيوانات والأحياء الدقيقة، بالإضافة إلى الجينات التي تحملها، والأنظمة البيئية البحرية والمائية التي تنتمي إليها، يتغيّر التنوع الحيوي باستمرار؛ إذ يزيد بظهور تنوع جيني جديد ويقل بالانقراض وتدمر المساكن الطبيعية.

ما هو التنوع الحيوي (Biodiversity)؟
يشير التنوع الحيوي إلى التنوع في الحياة وعملياتها المختلفة، مُتضمنًا التنوع في الكائنات الحية والاختلافات الجينية فيما بينها، والمجتمعات والنظم البيئية التي يتواجدون فيها. تعرّف العلماءُ إلى ما يقارب 1.9 مليون نوعًا (species) يعيش في يومنا هذا، ينقسمون إلى 6 مملكات كما يظهر في الشكل الثالث. ما زال العلماء يكتشفون أنواعًا جديدة، لذا؛ هم لا يعرفون بشكل أكيد عددَ الأنواع الموجودة حاليًا، إنما يقدّر معظمهم أن العدد يتراوح بين 5 إلى 30 مليون نوعًا.

تنبّه علماء الأحياء لوجود مستويات من التنظيم، وتعرفوا إلى ثلاثة مقاييس فريدة لتنوع الحياة:
- مقياسُ التنوع الحيوي الأكثر دقة وتحديدًا هو التنوع الجيني (genetic diversity) أو التباين الوراثي (genetic variation) ضمن الأنواع؛ يعتمد على الاختلافات بين الأفراد في المجموعة الواحدة، وعلى الاختلافات بين المجموعات في النوع الواحد.
- المقياس الأوسع منه هو التباين النوعي (species diversity)، وهو الأقرب إلى المعنى الحرفي للتنوع الحيوي؛ يمثل عدد الأنواع المختلفة في نظام بيئي معين على الأرض، ويعتمد على اختيار منطقة معينة وتحديد ما يوجد فيها.
- أما المقياس الأوسع والأكثر شمولًا هو تنوع النظام البيئي (ecosystem diversity)؛ يتضمن بالإضافة إلى الحياة: اليابسة والبحر والهواء الذين يدعمون الحياة. في تنوع النظام البيئي، يدرس علماء الأحياء الأنواعَ المُختلفة المكونة للوحدات الوظيفية التي تتشكل نتيجة التفاعل بين المجتمعات الحية ومحيطها.
وعلى الرغم من أهمية المستويات الثلاثة، إلا أن مصطلح التنوع الحيوي غالبًا ما يشير إلى التباين النوعي.
مقياس التنوع الحيوي
بوجد عدة مقاييس للتنوع الحيوي، وهنالك ثلاثة مؤشرات يعتمد عليها علماء البيئة، هي:
- التنوع ألفا (Alpha diversity)؛ يشير إلى التنوع في منطقة معينة أو في مجتمع معين أو في نظام بيئي معين، ويُقاس بعدد الأصنوفات (Taxon) –غالبًا الأنواع- ضمن النظام البيئي.
- التنوع بيتا (Beta diversity)؛ يعني تباين الأنواع بين الأنظمة البيئية، ويتضمن مقارنة عدد الأصنوفات الفريدة في كل نظام بيئي.
- التنوع غاما (Gamma diversity)؛ يشير إلى التنوع في النظم البيئية المختلفة ضمن المنطقة.
فوائد التنوع الحيوي
يوفر لنا التنوع الحيوي غذاءنا، كما يوفر العديد من الأدوية والمنتجات الصناعية، ويمتلك القدرة على تطوير منتجات جديدة ومحسنة للمستقبل. وربما، الأكثر أهمية، هو أن التنوع الحيوي يوفر عددًا واسعًا من “الخدمات” البيئية ويحافظ عليها. ويتضمن هذا تزويدنا بالهواء والماء النظيفين، والتربة والطعام والملجأ، ثم إن كلًا من جودةِ حياتِنا واقتصادِنا واستمرارِهما يعتمدُ على هذه “الخدمات”.
التنوع الحيوي في أستراليا
أدى كلٌّ من انعزال أستراليا الطويل والذي استمر طوال الخمسين مليون سنة الماضية، والحركة الداخلية باتجاه الشمال، إلى تطور حيويات أو أحياء منطقة (biota) متميزة. من المميزات الهامة للتنوع الحيوي في أستراليا:
- نسبة عالية من الأنواع المتوطنة (endemic species) (الموجودة حصريًا في هذه المنطقة):
- أكثر من 80% من كاسيات البذور أو النباتات المزهرة.
- أكثر من 80% من الثدييات البرية.
- 88% من الزواحف.
- 45% من الطيور.
- 92% من الضفادع.
- مجموعات غنية من الحيوانات البرية؛ إذ تمتلك أستراليا تنوعًا استثنائيًا في سحالي المناطق القاحلة والعديد من نباتات السحلب (الأوركيد) ومجموعٌ من الحيوانات اللافقارية يقارب 200,000 نوعًا ومنها ما يزيد عن 4000 نوع من النمل لوحده، وتشكل الشقبانيات والكظاميات معًا ما يقارب 56% من الثدييات البرية المحلية في أستراليا.
- حياة برية ذات أهمية في التطور؛ فعلى سبيل المثال: تحتوي أستراليا على 12 عائلة من أصل 19 عائلة معروفة من النباتات المزهرة البدائية، واثنتين منها غير موجودتين في أي مكان آخر، ثم إن بعض الأنواع، مثل: سمكة قرنية الأسنان والبيريبيتاس، لم تتغير نسبيًا طيلة مئات الملايين من السنين.

شجرة التطور Phylogenetic Trees
في المصطلحات العلمية، يُعبَّر عن التاريخ والعلاقات التطورية لكائن حي أو مجموعة من الكائنات الحية بمصطلح “علم الوراثة العرقي أو الفيلوجيني (Phylogeny)”. ويصف هذا المصطلح العلاقة بين أحد الكائنات الحية والكائنات الأخرى كتلك التي يُعتقد أنه تطور منها، والأنواع وطيدة الارتباط به. لذا؛ توفر العلاقاتُ في علم الوراثة العرقي المعلوماتِ عن الأسلاف المشتركة وليس بالضرورة مدى تشابه أو اختلاف الكائنات الحية.
أما شجرة التطور؛ أداةٌ يستخدمها العلماء لتوضيح المسارات والروابط التطورية بين الكائنات الحية، وهي عبارة عن رسم بياني يعكس العلاقات التطورية ضمن مجموعة من الكائنات الحية. يعتبر العلماء شجرةَ التطور فرضيةً عن ماضي التطور؛ كونه من غير الممكن العودة إلى الماضي لتأكيد العلاقات المقترحة. بكلمات أخرى، من الممكن بناء شجرة الحياة لتوضيح متى تطورت الكائنات الحية المختلفة ولإظهار العلاقات بينها.

من الممكن قراءة شجرة التطور خريطةً لتاريخ التطور. لدى العديد من أشجار التطور نسبٌ واحدٌ في القاعدة يمثل السلف المشترك. يدعو العلماء هذه الأشجار: الأشجار ذات الجذر المشترك؛ إذ يوجد سلف واحد (عادةً يرسم من الأسفل أو اليسار) ترتبط به جميع الكائنات الحية المتواجدة في الرسم البياني. لاحِظ أن في شجرة التطور السابقة تتشعب الفوق مملكات الثلاثة -البكتيريا والبدائيات وحقيقيات النوى- من نقطة واحدة. يظهر الفرع الصغير، الذي يمثل النباتات والحيوانات (متضمنة الإنسان)، مدى حداثة وضآلة هاتين المجموعتين مقارنة بالكائنات الحية الأخرى. لا تظهر الأشجار التي بلا جذر مشترك سلفًا مشتركًا، ولكنّها تبيّن العلاقات بين الأنواع المختلفة.

كارل ووز (CARL WOESE) وشجرة التطور
في الماضي، صنّف علماءُ الأحياء الكائناتِ الحية إلى خمس مملكات: الحيوانات والنباتات والفطريات والطلائعيات والبكتيريا. بُني المخطط التنظيمي بشكل أساسي على الصفات الشكلية وليس على الفسيولوجيا أو الكيمياء الحيوية أو البيولوجيا الجزيئية والتي تعتمد الأنظمة الحديثة عليها. وقد أظهر العمل الرائد، الذي أنجزه عالم الأحياء الدقيقة الأمريكي كارل ووز في بداية السبعينات، أن الحياة على الأرض تطورت من ثلاثة أنساب وهي البكتيريا والبدائيات وحقيقيات النوى. أول اثنين من بدائيات النوى والتي تفتقر للغشاء المحيط بالنواة والعضيات الأخرى. أما الثالث فهو حقيقيات النوى وتتضمن الكائنات الحيّة المجهرية وحيدة الخلية بالإضافة إلى الممالك الأربعة الأصلية (باستقصاء البكتيريا).
وضع ووز البدائيات قسمًا جديدًا؛ مما نتج بشجرة تطور جديدة (انظر الشكل الخامس). تعيش العديد من الكائنات الحية، التي تنتمي إلى البدائيات، في ظروف متطرفة وتدعى بناءً على ذلك باسم مُحبة الظروف القاسية
(extremophiles). لوليبني ووز شجرته، استخدم العلاقات الجينية عوضًا عن التشابهات في الصفات الشكلية (المورفولوجية).
بُنيت شجرة ووز من مقارنات بين تسلسلات الجينات المشتركة بين جميع الكائنات الحية والتي بقيت بالضرورة ثابتة عبر التطور. كان نهج ووز ثوريًا؛ لأنّ مقارنة الصفات الخارجية لم تكن كافية للتمييز بين بدائيات النوى؛ إذ تبدو جميعها متشابهة بشكل كبير على الرغم من التنوع الحيوي والجيني الهائل بينها (انظر الشكل السابع). شكّلت المقارنة بين تسلسلات الحمض النووي DNA والحمض النووي RNA المشتركة بالنسبة لِووز أداةً دقيقةً كشفت عن تباين واسع في بدائيات النوى، مما أدى إلى فصلها إلى قسمين: البكتيريا والبدائيات.

علم التصنيف Taxonomy
علم التصنيف؛ إنه العلم الذي يُعنى بتصنيف الكائنات الحية في نظام متبع عالميًا؛ إذ يُوضَع كل كائن حي في مجموعات تتدرج من الأكثر إلى الأقل شمولًا. لاحظ كيف تُنظَّم محلات البقالة. يُقسَّم مكان واحد كبير إلى عدة أقسام مثل: المنتجات الغذائية والألبان واللحوم، ثم يقسم كل منها مجددًا إلى ممرات، وكل ممر إلى طبقات وعلامات تجارية لنصل أخيرًا إلى منتج بعينه. هذا التنظيم من الأكبر إلى الأصغر والأكثر تحديدًا يدعى: التنظيم الهرمي (hierarchical system).
في القرن الثامن عشر، اقترح عالم يُدعى كارل لينوس (Carl Linnaeus) تنظيم الأنواع (species) المعروفة في تنظيم هرمي. في هذا التنظيم، توضع الأنواع الأكثر تشابهًا معًا في مجموعات تدعى الجنس (genus). من ثَم توضع الأجناس المتشابهة معًا في فصيلة (family). ويُستمَّر في نظام المجموعات هذا حتى نصل إلى مجموعات أشمل وأعلى في النظام الهرمي.
تنتمي مملكة الحيوانات إلى فوق مملكة حقيقيات النوى. بالنسبة إلى الكلب، تكون مستويات التنظيم كما هي ظاهرة في الشكل الثامن. لذا؛ يتكون اسم الكائن الحي كاملًا من ثمانية مصطلحات. في مثال الكلب: نطاق حقيقيات النوى (Eukarya)، ومملكة الحيوانات (Animalia)، وشعبة الحبليات (Chordata)،طائفة الثدييات (Mammalia)، ورتبة اللواحم (Carnivora)، وفصيلة الكلبيات (Canidae)، وجنس الكلب (Canis)، ونوع الذئب (lupus). ويبدأ كل اسم بحرف كبير ما عدا النوع، ويكتب النوع والجنس بشكل مائل.
يشير العلماء عامّةً إلى الكائن الحي بالنوع والجنس فقط ويدعى ذلك: التسمية الثنائية (binomial nomenclature). ويمتلك كل نوع تسمية ثنائية خاصة به ليُتعرَّف إليه؛ فالتسمية الثنائية للكلب هي الذئب الرمادي (Canis lupus) مع الحفاظ على التنسيق الصحيح بالنسبة للأحرف الكبيرة والخط المائل.
يدعى كل مستوى بالتصنيف أيضًا بالأصنوفة (taxon)، بكلمات أخرى؛ الكلاب في رتبة اللواحم واللواحم هو اسم الأصنوفة في مستوى الرتب.، والكلبيات هي الأصنوفة في مستوى الفصيلة وعلى هذا المنوال. تمتلك الكائنات الحية اسمًا شائعًا يستخدمه الناس، في مثالنا هو: الكلب. والكلب هنا يمثًل نُويِّع (subspecies) يدعى: (familiaris) لِيُصبح الاسم كاملًا (Canis lupus familiaris). النُّويِّعات هي أعضاء في نفس النوع تستطيع التزاوج والتكاثر، ولكنها تُعَد نويِّعات منفصلة؛ نظرًا إلى انعزالها جغرافيًا أو سلوكيًا أو لعوامل أخرى.
- ترجمة: رند فتوح.
- مراجعة: مرح مسعود.
- تدقيق لغوي: نور عبدو.
شكراً دكتورة رند، استفدت كثيراً من هذه المعلومات، حيث استخدمتها في واجبي الجامعي مع ذكر اسمك في قائمة المصادر.