in

ثلاثة من أعظم أسرار الطبيعة من الممكن أن تكون قد حُلَّت بفضل ميكانيكا الكم!

تبين أن الكائنات الحية قد تستخدم ميكانيكا الكم لاكتساب ميزات تطورية.

تشتهر ميكانيكا الكم بحوادث غريبة ونتائج أغرب، مع الأخذ بعين الاعتبار مبدأ التراكب؛ إذ يمكن للجسيم أن يكون في مكانين مختلفين في الوقت ذاته، بينما هو موجود بحالتين مختلفتين: جسيم  وموجة.

ماذا عن النفق الكمومي حيث يمكن للجسيم أن يمر عبر جسم صلب مثل الأشباح؟ 

أو التشابك الكمومي حيث تشكل جزيئات من خلال ارتباط بعضها مع بعض على الرغم من وجود مسافات بينها، سواء كانت هذه المسافة تعادل بوصة واحدة أو ألف سنة ضوئية.

قد تختفي إحدى الجسيمات أيضًا من منطقة ما فقط لتظهر فجأة  في منطقة أخرى، وقد أطلق آينشتاين على هذة الظاهرة اسم: التأثير المرعب البعيد المدى (spooky action at a distance).

على أية حال، طوَّر هذا الحقل فهمنا للعالم الطبيعي بشكل كبير جدًا. الآن، وبفضل تطبيق ميكانيكا الكم في حقل البيولوجيا، نبدأ بحل بعض أضخم أسرار العلوم التي لطالما بقيت مجهولة.

تساعدنا التطورات الكبيرة للبيولوجيا الكمومية اليوم في فهم هجرة الطيور، والبناء الضوئي (photosynthesis) وربما حتى حاسة الشم لدينا؛ فقد اشتبه العلماء بظاهرة الكم لتكون تفسيرًا للبناء الضوئي منذ ثلاثينيات القرن الماضي.

في عام 2007 ميلادية، أظهرت مجموعة من العلماء -من مختبر لورَنس بركلي الوطني للطاقة في جامعة شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية- أول دليل على صحة ذلك. 

قاد غريك إنجل -وهو الآن عالم بيولوجيا فيزيائية في جامعة شيكاغو- الدراسة في وقت لم يكن فيه علم البيولوجيا الكمومية قد عرف بعد.

في البناء الضوئي؛ تجمع النباتاتُ الفوتوناتِ أو ما يسمى جسيمات الضوء بواسطة الخلايا الحاملة للون(chromophores)، التي تحرر أو تطلق أشباه جسيمات تسمى إكسيتونات (excitons) والتي بدورها تجمع الطاقة الملتقطة وتنقلها إلى مركز التفاعل.

هنا، يمكن أن تتحول إلى طاقة كيميائية، ليستطيع النبات استقلابها، تحدث هذه العملية برمتها في خلال جزء من مليار من الثانية، وتكاد تصل فعاليتها إلى نسبة 100 %.

إن السرعةَ مطلوبةٌ لتجنب فَقد أيّ مقدار من الطاقة، فمن الممكن أن تتبدد مثل هذه الطاقة بسرعة إلى حرارة. هنا الحلقة المفقودة؛ كيف يعرف الإكسيتون ما الذي عليه فعله و أي المسارات يجب سلكه في هذا الوقت الذي لا يذكر؟

أظهر إنجل ورفاقه أن الإكسيتون يكسب فوائد كثيرة من هذا التراكب، واستخدم الباحثون بكتيريا خضراء تتنفس الكبريت تدعى كلوروبيوم تيبيدوم (Chlorobium tepidum) للتجربة. هذه من أوائل الكائنات العضوية التي استخدمت البناء الضوئي وهي لا تزال موجودة منذ مليار سنة.

خفض إنجل ورفاقه درجة حرارة البكتيريا إلى 77 كلفن (-196 سلزيوس)، ثم أرسلوا رشقات قصيرة من ضوء الليزر النبضي خلال جسم البكتيريا و تتبعوا الرشقات مستخدمين تحليل طيفي إلكتروني ثنائي البعد (Two-Dimensional Electronic Spectroscopy)*.

ما وجدوه هو أن الإكسيتون يتحرك ولكن ليس في شكل خط مستقيم؛ وإنما بحركة تشبه الموجة. ويستطيع الإكسيتون -كموجة- أن يتحسس ويجد كل المسارات الممكنة ويجد المسار الأكثر فعالية و يسلكه، نُشِرت نتائج هذه الدراسة في دورية Nature.

بكتيريا Chlorobium tepidum
بكتيريا Chlorobium tepidum كما تبدو تحت المجهر.

لاحظت دراسات أخرى عديدة نفس الظاهرة؛ يعمل البناء الضوئي بشكل كمومي، وإذا استطعنا تصميم نظام مُحاكٍ، سنتمكن من صنع خلايا شمسية عالية الفعالية وبطاريات تدوم أطول، وهذه أمور لا غنىً عنها إن كنا نرغب في التحول لاستخدام التقنيات الخضراء.

لم يكن العديد من العلماء مرتاحين لتطبيق ميكانيكا الكم في البيولوجيا، فيدرس الفيزيائيون الجسيمات في بيئات محكمة بشكل دقيق جدًا. 

بينما في العالم الرطب و الفوضوي من البيولوجيا تتغيى الأشياء طيلة الوقت؛ إنها تبدو بيئةً متقلبةً للغاية في شكل لا يمكن أن يحدث التراكب فيها.

وجد فيزيائي من معهد ماساتشوستس للتقنية (MIT) -يدعى سيثل ويد- أن الضجة الموجودة في المحيط من  الممكن حقًا أن تطور عمل الإكسيتون، وذلك مستخدمًا المحاكاة الحاسوبية.

ماذا عن أنماط هجرة الطيور؟

من المعروف قديمًا أن الطيور تهاجر بواسطة بوصلة داخلية كيميائية؛ تتفاعل مع الحقل المغناطيسي الأرضي، تكمن الفكرة هنا في أن هذه الحقل ضعيف؛ كيف تلتقطه الطيور إذن؟

في دراسة واحدة نشرت في دورية Nature؛ عمل باحثو جامعة أكسفورد على طائر أبو الحناء الأوروبي (Erithacus rubecula) والذي يهاجر لآلاف الأميال عندما يلوح الطقس البارد من أقصى الشمال حيث الدول الإسكندنافية إلى شمال إفريقيا.

كان ما وجدوه أنه عندما يدخل فوتون الضوء الشمسي إلى شبكية عين الطائر، فإنه يحرر إلكترونين غير مرتبطين، يوجه الدوران المغزلي (spin) لكل منهما إلكترونه إلى أحد قطبي الحقل المغناطيسي للأرض .

أثبت الفيزيائي سيمون بنجامين من أكسفورد أن ذلك ممكن كيميائيًا في تجربة أجريت في عام 2008 ميلادية، وافترض أن الأمر يعمل من خلال التشابك الكمومي، وهذه التقنية ليست مقصورة على الطيور، فمن الممكن للحشرات وكائنات أخرى ان توجه نفسها بهذه الطريقة أيضًا.

ماذا عن آلية حاسة الشم لدينا؟

 يمكن للبشر أن يميزوا بين آلاف الروائح المختلفة، إنها واحدة من أقدم الحواس وأكثرها تميزًا.

نعلم أن الجزيئات تصل إلى فتحة الأنف من الهواء، وبطريقة ما تتفاعل مع مستقبلات داخل الأنف؛ لكن كيف يميز الأنف مادة عن الأخرى بشكل دقيق؟ لا يزال هذا الأمر غير معروفًا.

يرى الكيميائي لوكا تورين من معهد ألكسندر فلمنج باليونان (BSRC Alexander Fleming institute in Greece) أن الأمر أكبر من مجرد شكل فراغي للجزيء يتركب على المستقبل، فيتفاعل الجزيء مع مستقبل داخل الأنف ثم يعبر، من وجهة نظر تورين، إلكترون في ذلك الجزيء إلى الجهة الأخرى من المستقبل منخلال النفق الكمومي. وبذلك يرسل إشارات إلى الدماغ يخبره عن ماهية الجزيئة.

لاحظ تورين أن جزيئين مختلفتين جذريًا (هيدريدات البورون (boranes) والكبريت) لهما نفس الرائحة على الرغم من اختلاف شكلهما الفراغي، ما الذي يجعل لكل منهما رائحته؟ مثلًا: قد يكون محتوى الطاقة الموجودة في روابط البيض الفاسد متماثل، ولكن ستكون هناك حاجة لمزيد من الأبحاث لإثبات أن الشم يتم على المستوى الدون الذري. ومع ذلك، بدأ مجال البيولوجيا الكمومية يحقق اختراقات كبيرة. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى ابتكارات تكنولوجية واعدة، وإلى تعزيز فهمنا لطبيعة الحياة على الأرض.

حاشية:

** التحليل الطيفي الإلكتروني الثنائي البعد (Two-Dimensional Electronic Spectroscopy)؛ تقنية إبداعية في تتبع مسارات الطاقة في الوقت القصير للغاية بين تحفيز الإلكترونات وإطلاقها الطاقة المكتسبة، للمزيد عن هذة التقنية؛ زر الرابط الآتي: berkeley.edu.

المصدر

  • ترجمة: نجوى إسماعيل.
  • مراجعة: محمد علي.
  • تدقيق لغوي: نور عبدو.

بواسطة الفضائيون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عائلتنا الكبيرة: قصة الرئيسيات #3

كيف تصبح قارئًا أفضل؟