الكل يعتقد أنّ علماء الرياضيات العظماء في التاريخ كلهم رجال، ولكن كلنا على خطأ، هناك الكثير من النساء عبر التاريخ عملن في البحث العلمي و أحدثن ثورة في الرياضيات، وسنذكر في هذا المقال أبرز ثلاث نساء في تاريخ الرياضيات الحديث.
من الاكتشافات العميقة لشكل الكون الى أبعد الاكتشافات التي توصلنا إليها عن طريق الخيال والمنطق، تأريخ الرياضيات دائماً ما يُنظَر إليه كمسعى رجولي. أسماء مثل -جاوس، إيلر، ريمان، بيونكير، إردوس، والأكثر حداثة وايلز، تاو، بيريلمان وزانج- كل هؤلاء مرتبطين بأجمل رياضيات اُكتشفت منذ بداية الإنسان و كلهم رجال. كتاب – رجال الرياضيات – من تأليف بيل E.T. Bell عام 1937 مثال واحد فقط لإظهار كيف أن هذه “الحقيقة” منتشره في الوعي العام.
حتى اليوم، ليس سراً أنّ الرياضيين الذكور لا زالوا يسيطرون على المجال ولكن هذا لا يصرف انتباهنا عن المساهمات الثوريّة التي قدمتها المرأة، فهناك نساء نشكرها على العديد من الإسهامات مثل الحوسبة الحديثة، الركن الأساسي للجبر التجريدي، واكتشافات في هندسة الكون، بالإضافة الى تطورات أساسية في نظرية القرار، نظرية الأعداد والميكانيكا الفلكيّة التي تستمر بتزويد تطورات حاسمة في المجالات التطبيقية مثل التشفير، علم الحاسوب، والفيزياء.
أعمال العباقرة مثل جوليا روبنسن Julia Robinson في مسائل هيلبرت العشر Hilbert’s Tenth Problem في نظرية الأعداد، ايمي نويثر Emmy Noether في الجبر التجريدي والفيزياء، و آدا لوفلايس Ada Lovelace في علم الحاسوب، هي فقط ثلاث أمثلة للنساء التي كانت اسهاماتها مهمة جداً.
جوليا روبنسن (1919-1985) Julia Robinson
في بداية القرن العشرين، عالم الرياضات الألماني الشهير ديفيد هيلبيرت نشر مجموعة من المسائل الثلاثة والعشرون المثيرة والتي تهربت منها أعظم العقول الرياضية ومن بينهم كانت مسألته العاشرة، التي سألت إذا كان بالإمكان إنشاء لوغاريتم عام لتحديد قابلية الحل لأي معادلة من معادلات ديوفانتاين – تلك المعادلات كثيرة الحدود بمعاملات صحيحة وحلول صحيحة-.
تخيل، لأي معادلة من مجموعة لانهائية من معادلات ديوفانتاين، آلة تخبر إذا كان بالإمكان حلّها. الرياضيون غالباً ما يتعاملون مع أسئلة لانهائية عن هذه الطبيعة التي توجد بعيداً خلف الوضوح عن طريق ملاحظات وجودية صغيرة، هذه المشكلة المعينة جذبت اهتمام رياضية بيركيلية تدعى جوليا روبنسن. منذ عدة عقود، روبنسن تعاونت مع زملائها مثل مارتن دافيس وهيلاري بوتنام وصاغوا حالة بإمكانها حل سؤال هيلبيرت سلبياً (اي إجابة السؤال ب لا).
في عام 1970 عالم رياضيات شاب يدعى يوري ماتياسفيتش Yuri Matiyasevich قام بحل المسألة باستخدام الحالة التي صاغتها روبنسن مع زملائها. بإسهاماتها في نظرية الأعداد، روبنسن كانت عالمة رياضيات استثنائية والتي مهدت الطريق لحل واحدة من أعظم الأسئلة التي واجهتها الرياضيات النظرية بتاريخها. في الجمعية الأمريكية للرياضيات Mathematixal Association of America عنونت ” السيرة الذاتية لجوليا روبنسن ” أختها كونستانس ريد Constance Reid . كاتبة السيرة كتبت:
“هي نفسها لم تكن لتفكر في سرد قصة حياتها أبداً .. كانت تعتبر المهم فقط هو ما قدمته رياضياً “.
إيمي نويثر Emmy Noether
من المؤكد لشخص درس مواد في الرياضيات التجريدية لفتره من الفترات أن يكون قد سمع بهذا الإسم. إيمي نويثر كان عملها البارز يفوق مداه مواد من الفيزياء إلى الجبر الحديث، والذي جعلها واحدة من أهم الشخصيات في تاريخ الرياضيات.
النتيجة التي توصلت إليها عام 1913 في حساب المتغيرات calculus of variations أدت إلى نظرية نويثر Noether’s theory والتي تعتبر واحدة من أهم النظريات في الرياضيات والتي تشكلت منها الفيزياء الحديثة. إن نظرية نويثر للمثاليين والحلقات التبادلية، تشكل قاعدة لأي باحث في الجبر المتقدم. (المثاليين: جمع مثالي وهو مجموعة جزئية خاصة من حلقة تحقق عدداً من الشروط.)
الحلقات التبادلية: هي حلقات تكون فيها عملية الضرب عملية تبادلية. أثر عملها هذا استمر ليلمع كمنارة ملهمة لأولئك الذين يتصارعون مع فهم الحقيقة المادية أكثر على نحو نظري. الرياضيون والفيزيائيون على حدٍ سواء يحترمون إسهاماتها المهمة جداً والتي تزودهم ببصيرة عميقة في سلوكهم الشخصي. في عام 1935، آلبرت أنشتاين كتب في رسالة لمجلة نيويورك تايمز:
” بحكم اكفأ الرياضيين الأحياء، فراولين نويثر كانت أهم العباقرة الرياضيين المبدعين منذ أن بدأ التعليم الجامعي للفتيات .”
آدا لوفلايس Ada Lovelace
في عام 1842 ، برفسور الرياضيات تشارلز بابيج Charles Babbge في جامعة كامبردج أعطى محاضرةً في جامعة تورين Turin عن تصميم آلته التحليلية (أول كمبيوتر). الرياضية لويجي مينابرا Luigi Menabrea بعدها نقلت ملاحظات تلك المحاضرة إلى فرنسا. الشابة آدا لوفلايس كانت مكلّفة من تشارلز ويتستون – صديق لبابيج – بترجمة هذه الملاحظات إلى اللغة الإنجليزية. وبسبب فهمها وبصيرتها الزائدة لتلك النسخة من الملاحظات، اشتهرت بلقبها ” أول مبرمج بالعالم “.
في عام 1843، لوفلايس نشرت هذه الملاحظات بالإضافة إلى ملاحظاتها الخاصة المتضمنة القسم G، والذي استعرض خوارزمية لحساب أعداد بنرولي عن طريق برمجة هذه الآلة بكود برمجي واعتبرها البعض أول خوارزمية تُنفَّذ من قبل آلة. لوفلايس أعطت طريق للآخرين لتسليط الضوء على معضلات الحوسبة التي استمرت بالتأثير بالتكنولوجيا. بالرغم من اسهاماتهن العميقة، الاكتشافات التي اكتشفنها النساء الثلاث غالباً ما تغلَّبت عليها اسهامات نظائرهن من الذكور. حسب إحصائيات الأمم المتحدة في 2015 عدد الرجال بالنسبة للنساء في العالم تقريبا يساوي (101.8 رجل لكل 100 امرأة). أحدهم قد يقول، إذاً يجب أن نرى تقريباً نفس العدد للنساء والرجال يعملون في مجال الرياضيات. سبب واحد لعدم رؤيتنا ذلك وهو فشلنا في تمييز الإنجازات التاريخية للإناث في الرياضيات.
- ترجمة: خلاد الساروي.
- تدقيق لغوي: هديل الزبيدي.