نحن نعلم بوجود المادة المظلمة؛ لكن ما لا نعرفه هو ماهيتها بالضبط؟ إنهـا تشكل ربع حجم الكون، وبدون وجودها ستنهار المجرات وتتلاشى النجوم نحو الفضاء؛ توجد هذه المادة بوفرة أكبر بخمسة أضعاف من توفر المادة العادية (وهي المادة التي تشكل الأشجار والنجوم وأجسادنا أيضًا)؛ ولكن حتى الآن لم يستطع العلماء رؤية هذه المادة أو مشاهدتها أو تحديد ماهيتها، إلا أن الأمر الأكيد هو أنهم يقتربون من الإجابة عن الأسئلة المطروحة حولها.
1)- أدرك علماء الفلك في ثلاثينيات القرن الماضي أنهم إذا جمعوا كل كميات المادة المرئية الموجودة في عنقود مجري (Galaxy cluster) فلن تكون الجاذبية الناتجة قادرة على الحفاظ على كل شيء متماسكًا.
لذا؛ لا بد من وجود شيء آخر مسؤول عن ذلك وأيضًا من المفترض توفره بكثرة. أشار العلماء بداية إلى ذلك الشيء الغامض بمفهوم الكتلة المفقودة، ثم أطلق عليها بعد ذلك اسم: المادة المظلمة.
2)- من المُتوقع أن يحدد مصادم الهادرونات الكبير (The Large Hadron Collider: LHC) -وهو أقوى مسرّع للجزيئات في العالم- شكل المادة المظلمة وتركيبها بشكل قطعي. تمثل منشأة LHC فرصتنا الأكبر لاكتشاف جسيمات الـ WIMPs* وهي الجسيمات الأكثر ترشيحًا لتكوين تلك المادة؛ إذ يقول الباحث في فيزياء الجسيمات جوناثن فينغ (Jonathan Feng): “من المتوقع أن تثبت جسيمات *WIMP صحة كل هذه النظريات التخمينية والبعيدة والحالمة”.
يبلغ العدد التقريبي للتصادمات، داخل مصادم الهادرونات الكبير، نحو 600 مليون تصادم في الثانية.
3)- المصادمات؛ ليست الأدوات الوحيدة المستخدمة في هذه الأبحاث؛ إذ يعمل عدد من الباحثين والخبراء على فهم المادة المظلمة عن طريق دراسة تأثيراتها الجانبية؛ قسم منهم يهدف إلى رصد اصطدام المادة المظلمة بالمادة العادية في مختبرات موجودة على كوكب الأرض؛ بينما يبحث آخرون عن رد الفعل الناتج عن تصادم جسيمين من المادة المظلمة في الفضاء أو تحت الأرض.
4)- يستطيع العلماء أيضًا الكشف عن وجود هذه المادة من خلال مراقبة الكيفية التي تلوي (تحني) بها جاذبيةُ المادة المظلمة الضوءَ المارّ من خلالها؛ مثل منشور كوني (والمنشور يحلل الضوء إلى الطيف المرئي).
يفحص فريق من مرصد اليابان الفلكي الوطني (National Astronomical Observatory of Japan) تلك الالتواءات والتذبذبات في سلوك الضوء ليتمكنوا من وضع أول «خريطة لوجود المادة المظلمة»، والتي يسعى الفريق إلى إتمامها بحلول عام 2019 ميلادية؛ إذ ستكشف هذه الخريطة عن كيفية انتشار المادة المظلمة؛ مما يؤدي إلى الحصول على أدلة على كتلتها وكثافتها.
– يمكنك حفظ الجدول الدوري؛ ولكنه لا يشكل إلا 5% من الكون.
5)- حتى إذا تمكن العلماء من تحديد تركيب المادة المظلمة، فإنهم سيكونون في بداية فهمهم لطريقة عمل الكون فقط؛ إذ يشكل مجموعُ كتلة المادة المظلمة والمادة العادية نسبة 30% من حجم الكون، بينما تبقى نسبة 70% من حجمه مجهولة حتى الآن، والسؤال الآن هو: ممَّ يتركب هذا الجزء المُتبقي؟!
وهنا ننتقل إلى مفهوم الطاقة المظلمة، تلك الطاقة التي هي من نوع غريب وغامض من أنواع القوى سيحتار بأمره العلماء والباحثون طويلًا بعد الانتهاء من البحث عن المادة المظلمة .
اقرأ أيضا: مصادم الهادرونات الكبير ولغز المادة المظلمة
حاشية:
* جسيمات الـ WIMP (Weakly Interacting Massive Particles) أو الجزيئات الضخمة ضعيفة التفاعل؛ اكتسبت هذه الجزيئات اسمها بسبب ندرة تفاعلها مع المادة العادية؛ إذ يجب أن تكون كبيرة لكي تشكل 27% من الكون، بالطبع فنحن نفترض أنها جسيمات؛ لكن حتى هذا الأمر غير مؤكد حتى الآن.
- ترجمة: سومر شاهين.
- مراجعة: رولان جعفر.
- تدقيق لغوي: نور عبدو.