كنا قد تحدثنا في المقال السابق من هذه السلسلة عن الطب البديل بشكل عام. و سنقوم في هذا المقال بتعريفكم على أحد أكثر طرق العلاج البديلة شيوعاً، وهي: الوخز بالإبر.
سنبدأ المقال بالتّحدث عن أصل الكلمة لغوياً، الوخز بالإبر (بالإنجليزية: Acupuncture) تأتي من اللاتينية اكيوس (إبرة)، وبونجير (وخز). أما في اللغة الصينية (الماندرين)، فتشير إلى كل من العلاج بالوخز بالإبر، والعلاج بالكي بالميسم.
يعد الوخز بالإبر إحدى الطرق في العلاج الصيني التقليدي. تُستعمل باختراق مناطق محددة من الجسم على طول الأعصاب الطرفية باستخدام إبر دقيقة لتخفيف الألم، وللتخدير الجراحي، ولأغراض علاجية. تزعم الفلسفة الصينية أن الوخز بالإبر من شأنه أن يؤثر على “قوة الحياة” لدى الفرد و”قنوات الطاقة” التي تدور في الجسد، حيث يدخل الواخز الإبرة في مناطق القنوات والأماكن المؤلمة في الجسد.
الوخز بالإبر هو أحد مكونات نظام الرعاية الصحية في الصين، ويعود إلى 2500 سنة على الأقل. وتستند النظرية العامة التي يراها المؤمنون بالوخز بالإبر على فرضية أن هناك أنماط لتدفق الطاقة (أو تشي بالصينية) في الجسد والتي تعتبر ضرورية للصحة. ويُعتقد أن تعطّل هذا التدفق هو المسؤول عن حدوث المرض. كما يرون بأن الوخز بالإبر يمكن أن يصحح الاختلالات في تدفق الطاقة في نقاط يمكن تحديدها على بالقرب من الجلد.
كانت ممارسة الوخز بالإبر لعلاج الحالات المرضية نادرة في الطب الأميركي حتى زيارة الرئيس ريتشارد نيكسون Richard Nixon إلى الصين في عام 1972. حيث منذ ذلك الوقت توَلد اهتمام كبير في الولايات المتحدة وأوروبا في تطبيق تقنية الوخز بالإبر في الطب الغربي.
هذه الصورة من شي سى جينغ فا هوي (مصطلح خطوط الطاقة الأربعة عشر). (طوكيو :Suharaya Heisuke kanko, Kyoho gan، Kyoho 1716).

لاحظ الصينيون القدماء عند مراقبتهم للأمراض أن كل مرض تتبعه نقاط مؤلمة في أماكن معينة من جسم الإنسان، ولاحظوا أن تسخين أو تدليك أو صفع أوالطرق على تلك النقاط المعينة يؤدي إلى تحسن أعراض المرض حتى يختفي نهائياً مع تكرار المحاولة، كما استطاعوا أن يحددوا نقاط رئيسية من جسم الإنسان ترتبط بهذه الأمراض. وقد افترض الصينيون القدماء أن الطاقة الحيوية في جسم الإنسان تدور في تلك النقاط عبر القنوات التي تمر بالأعضاء الداخلية، وأن الأمراض ما هي إلا نتيجة حدوث خلل في نشاط العضو المصاب بسبب زيادة أو نقص في طاقته الحيوية، وأن نقاط الإبر الصينية الكائنة في تلك القنوات هي السر والمفتاح الذي يمكن بواسطته التحكم في الطاقة الحيوية للعضو المريض وعلاجه عن طريقه.
و بمعنى آخر، إن النقاط الموجودة على جسم الإنسان والتي توخز الابر الصينية هي نقاط محددة ومدروسة ومجربة، ويتم تحديد مواضع الابر وطريقة وضعها وطولها حسب الحالة المرضية ففي حالات الصداع مثلاً توضع الإبر إما على مكان الصداع مباشرة أو في ظاهر اليد أو ظاهر القدم أو في فروة الرأس، ويمكن وضع الإبر في تلك الأماكن جميعها.
تعتمد نتيجة العلاج على مكان غرز الإبرة وعلى الزاوية التي تُغرز فيها، ويحتاج الممارس إلى تدريب عميق للوصول إلى مستوى معقول في الممارسة. وبالإمكان استبدال الابر في بعض الأحيان بالضغط المباشرعلى النقاط المحددة، ويمكن أحياناً استعمال تيار كهربائي رفيع لزيادة التأثير العلاجي. لا توضع عادة أية مادة كيميائية على الإبر قبل غرزها وإنما يُكتفى بتأثيرها المباشر على النقاط المحددة من المسارات.
ماذا يقول العلم عن فعالية الوخز بالإبر؟
تشير نتائج عدد من الدراسات إلى أن الوخز بالإبر قد يساعد في شفاء أنواع من الألم التي هي في الغالب آلام مزمنة مثل آلام أسفل الظهر، آلام الرقبة، وألم التهاب المفاصل أو الركبة، كما أنها قد تساعد في الحد من وتيرة التوتر والصداع ومنع الصداع النصفي. لذلك، يعد الوخز بالإبر الخيار المنطقي للأشخاص الذين يعانون من ألم مزمن. ومع ذلك، المبادئ التوجيهية للممارسة السريرية للوخز بالإبر غير متناسقة في التوصيات حول الوخز بالإبر.
هناك آثار للوخز بالإبر على الدماغ والجسم، والطريقة الأمثل لقياس هذه الآثار في البداية أن تكون مفهومة بشكل واضح. تشير الأدلة الحالية إلى أن العديد من العوامل مثل التوقع والإعتقاد التي لا علاقة لها بالوخز بالإبر قد تلعب أدواراً هامة في الإثارة المفيدة من الوخز بالإبر على الألم.
ماذا يقول العلم عن السلامة والآثار الجانبية للوخز بالإبر؟
لقد تم الإبلاغ عن عدد قليل نسبياً من مضاعفات استخدام الوخز بالإبر. ومع ذلك، كانت هذه المضاعفات نتيجة استخدام إبر غير معقمة وطريقة وخز غير ملائمة للعلاج.
عندما لا يتم الأمر بشكل صحيح، يمكن للوخز أن يسبب آثار جانبية خطيرة، بما في ذلك التهابات، ثقب للأعضاء، انخماص الرئتين، وإصابة في الجهاز العصبي المركزي.
ما هي نتائج البحث الممول من قبل NCCIH المركز الوطني للصحة التكميلية والمكملة National Center for Complementary and Integrative Health؟
قام NCCIH بتمويل بحث لتقييم فعالية الوخز بالإبر في أنواع مختلفة من الألم والحالات، ولمزيد من الفهم لكيفية استجابة الجسم للوخز بالإبر، وكيف يمكن أن يعمل الوخز بالإبر تبحث بعض الدراسات المدعومة من قبل NCCIH في الآونة الأخيرة عن:
– إن كان للوخز بالإبر إمكانية تقليل تواتر الهبات الساخنة المرافقة لانقطاع الطمث.
– إن كان بإمكان الوخز بالإبر أن يقلل من الألم وانعدام الراحة التي ترافق العلاج الكيميائي.
-إن كان الوخز بالإبر الفعلي – موضوعياً- أكثر فعالية من محاكاة الوخز بالإبر أو المعالجة المعتادة لتخفيف الألم، و-إذا كان الأمر كذلك- إلى أي مدى هو كذلك.
على الرغم من أن الوخز بالإبر ليس علاجاُ زائفاً إلا أنّ استبدال علاجات الطب بالطب البديل يمكن أن تؤدي إلى تشخيص غير كاف أو لعلاج لبعض حالات أثبت فيها الطب فعالية أفضل. لهذا السبب يفضل كثير من الأطباء وأخصائيو الوخز بالإبر اعتبار الوخز بالإبر علاج تكميلي وليس علاجاً بديلاً حقيقياً.
كما أعرب الباحثون عن قلقهم من أن سذاجة أو انعدام أخلاق بعض الممارسين قد تدفعهم لحث المرضى على الإنفاق على علاجات غير فعالة، لذلك قامت بعض الجهات المعنية بالصحة العامة بتنظيم ممارسة الوخز بالإبر.
- إعداد: مصطفى بجود.