in

من الحمم الملتهبة إلى واحة غَنَّاء: كيف نشأت جزيرة ديسبشن؟

كَشَفت دراسةُ جزيرة ديسيبشن القريبة من القارة المتجمّدة الجنوبية عن أحد أعظم أسرارها: متى انفجرت؟

تقع جزيرة ديسبشن شمال غرب القارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا) قرب سواحل الأرجنتين وسط أرخبيل شتلند الجنوبي، وتُعد موطناً لحياة برية غنية لعل أبرزها البطريق شريطي الذقن Pygoscelis antarcticus وتضم أقرب ميناء أمن للقطب الجنوبي، ميناء فوستر.

إنّ الجزيرةَ المذكورة، بشكلها الفريد الذي يشبه حذوةِ الحِصان و قطرها الذي يبلغ نحو 12 كيلومتر، كانَت عِبارةً عن بركانٍ نَشط، وقد اكتسَبت شَكلها إثرَ انفجارٍ عظيم أطلَقَ كمياتٍ كبيرةً من الصُّهارة (Magma)، التي شكّلَت بدورِها نوعًا من أنواعِ الكالديرا Caldera؛ البُحيرات البُركانية الناتِجة من الصّهارة.

الآن، وبعدَ دِراستها، اكتشَفَ العُلماء أنّ هذا الانفجارَ العظيم حَدَثَ قبل نحو 4 آلافِ عام. ويقولُ أنتونيادس؛ أستاذ في جامعة لافال في كويبيك: “سَتُساهمُ هذه المعلومة بمُساعدةِ عُلماء البراكين في تكوينِ فهمٍ أفضل لهذا البُركان”.

كما ستُساهم في مساعدةِ علماءٍ مثلَ أنتونيادس في دراسةِ مناخِ القارة المتجمّدة الجنوبية، ودراسةِ كيف ساهَمَ انفجارُ بركان ديسيبشن بتغييرِ مناخِ القارّة.

خريطة لجزيرة ديسبشن
بطريق شريطي الذقن

اكتشافٌ غير متوقّع

حقيقةً؛ لم يكن اكتشافُ هذا الانفجار العظيم صُلبَ مهمة أنتونيادس وفريقه في الأساس؛ إذْ دَرَسوا رواسبَ من مناطقَ مُختلِفة حولَ القارّة المتجمّدة الجنوبيّة على مدارِ رحلةِ بحثِهم، وعِندَ دراستِها لاحَظوا وجودَ شيءٍ غريبٍ فيها.

ويقولُ أنتونيادس: “تشارَكت جميعُها بوجودِ مزيجٍ من كتلةٍ نشأَت من طبقةِ الرّماد البركانيّ”.

تواجَدَ العديدُ من العُلماءِ في مجالاتٍ مُختلِفة إلى جانِبِ فريقِ أنتونيادس، بعضُهُم كانَ مُختصًّا في مجالِ البراكين، وهُم الّذينَ اكتشفوا أدلّةَ انفجار جزيرةِ ديسيبشن.

استخدَمَ الباحثون العديدَ من التقنيّات الجيولوجيّة والجيوكيميائيّة في محاولةٍ لإيجادِ رابطٍ بينَ الطبقاتِ التي وجدوها في العيّناتِ المدروسة سابقًا والانفجارِ القديم للجزيرة. وباستخدامِ طريقةِ الكربون الإشعاعي، والتي هي طريقةٌ تُستخدَم للكشفِ عن مستوياتِ الكربونِ المُشعّ في عيّنةٍ ما، والهدفُ مِنها هو معرفة عُمر هذه الطبقات، وأظهَرَت نتائِجُ التجربة عن عُمرٍ يزيدُ عن 4 آلاف عام.

صورة توضيحية للجزيرة من إحدى النقاط العالية

التحديد الدقيق لوقتِ الانفجار

كما ذكرنا سابقًا، قدَّرَ بعضُ العُلماء وقتَ تشكُّل كالديرا جزيرةِ ديسيبشن بما يُقارِب 4 آلافِ عام، بينما اعترضَ البعضُ الآخر على طريقة التّقدير وجمعِ العيّنات، فَنَتَجَ لدينا مقياسٌ واسِعٌ نوعًا ما لعُمرِ هذا الانفجار.

إنّ السَّبَب وراءَ هذه الاحتمالاتِ الواسعة كما يوضِّحُ أنتونيادس، هو أنَّ كُلَّ طريقةٍ استخدمها العُلماء تحتوي على نقاطِ ضعفٍ مُعيّنة. حيثُ، وكما ذكرنا مُسبقًا، جَمَعَ البعضُ عيّناتٍ من المُحيط لِدراسةِ الكربون الموجودِ فيها عن طريق تحديد عمر النظير المشع كربون 14، لكنَّ المُحيط هو مخزنٌ كبيرٌ للكربونِ قائمٌ بحدِّ ذاتِه، حيثُ يُمكِنُه الانتقالُ في المُحيطِ من مكانٍ لآخر بعيدٍ وبسهولة. ويؤدي اختلاطُ الكربونِ القديمِ مع الحديث بالتّأكيدِ إلى خلَلٍ في دِقّةِ التأريخ.

أمّا البُحيرات، فلا نحتاجُ فيها إلى التمحيصِ في هذه المشاكل، وبِما أنّ العُلماء يعملونَ الآن على البحثِ عن أيِّ دليلٍ من الانفجارِ في الجليدِ والرواسِبِ القديمة، ستُحلُّ مُشكلةُ الدّقةِ في تحديدِ الموعدِ قريبًا. كما وسيُأكِّدُ العُلماءُ إذا ما كانّت التغيُّراتُ القديمة التي حَدَثَت للمنطقة هي السّبَب في تغيّر المناخ في الحاضر.

ولِحُسنِ الحظ، وجَدَ الفريقُ نحوَ 18 موقعًا تحتوي أدلّةً على حُدوُِ الانفجارِ المذكور سابقًا، كان بعضُها على بُعدِ 130 كيلومترًا من جزيرة ديسيبشن.

وبحَسَبِ نتائجِ أبحاثِهم، قدَّرَ فريقُ أنتونيادس مساحةَ الانفجارِ بنحوِ 60 كيلومترًا مربعًا، و قد قذف في الهواء بنحو 60 كيلومتر مكعب من الصهارة، ويُمكِنُ تقديرُ البُركانِ المُنفَجِر بمقياسِ مؤشّرِ الانفجاراتِ البركانيّة Volcanic   Explosivity Index (VEI)، وهو مقياسٌ لشدّةِ البُركانِ من 1-8، بـ 6 درجات كل درجة منها شدتها أكبرمن سابقتها ب10 أضعاف.

إذًا، ربما تعطينا هذة النتائج  الدليلٌ على أعظَمِ انفجارٍ بُركانيّ على وجهِ الأرض مُنذُ 11 ألف عامٍ.

المصدر: Antarctic Island Exploded 4,000 Years Ago

  • ترجمة: محمد يامين.
  • مراجعة: محمد علي.
  • تدقيق لغوي: رأفت فياض.

بواسطة محمد يامين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تمايزتِ الأنواعُ الموجودة حاليًا من أنواعَ أقدم!

استنزافُ الطاقة من الخلايا السرطانية؛ تركيبةٌ دوائيةٌ جديدة لقتلها!