in

لماذا نصاب بالغثيان عند القراءة في السيارة؟

هل أصبت بالغثيان أثناء قراءتك في السيارة؟ إن كانت إجابتك نعم فأنت تعاني من التسمم، هذا ما يعتقده عقلك على الأقل.

رحلة طويلة وكتاب جيد، هذا ما يراه العديد منا كجنة تطير فيها أرواحهم مع حبكة الكتاب بينما تبقى أجسادهم ثابتة لا حراك فيها. إلّا أنّ هذه الجنة بعيدة المنال عن الكثير منا، حيث إن القراءة في السيارات والقطارات والطائرات تصيب السواد الأعظم من البشر بالغثيان في أحسن الأحوال والتقيؤ إن ساء الأمر، هذا بسبب التسمم الذي يعانيه جسمك، أو هذا ما يعتقده عقلك على الأقل.

دوار المركبات هو شذوذ مزعج في فيزيولوجيا الجسم متعلق ب  “دماغنا الأحمق” حيث شرح ذلك عالم الأعصاب والناشر Dean Burnett

في مقابلة مع NPR’s Fresh Air .

وهذا هو عنوان كتاب بيرنيت “دماغك الأحمق: ما الذي ينويه عقلك فعلاً؟

العالم بيرنيت هو عالم مجدد في مجال علم الأعصاب، حيث إنّه لا ينظر للدماغ بأي نوع من التبجيل أو مهما يكن حيث إنّ أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه غير صبور فيما يخص الأخطاء التافهة التي يقوم بها الدماغ، ودوار المركبات(السيارات) هو أحدها.

إنّها وظيفة المهاد، يقول بيرنيت: “بأن يفسر جميع الإشارات الحسية التي يتلقاها من الجسم”.

في الحالة العادية عندما تتحرك فكذلك الأمر هو بالنسبة إلى عضلاتك، وعينيك تراقبان المدى الذي تغطيه، و  سواء علمت بذلك أم لم تعلم، فأنت تعتمد على (مستقبلات التوازن) في أذنك الداخلية التي شرحها بيرنيت بقوله: “هذه الأنابيب الدقيقة المملوءة بسائل تخبرنا إلى أين نتجه، فإذا كنا مقلوبين رأساً على عقب، فإننا نعلم وهذا وإن كنا نتحرك بسرعة فإننا نعلم هذا أيضاً لأن هذه السوائل تتبع قوانين الفيزياء، ويقوم الوطاء بتجميع هذه الرسائل ويحولها إلى رسالة بسيطة “، وكأنه يشرح لطفل في الرابعة من عمره وفق تعبير بيرنيت وهذه الرسالة هي التي تحدد موضعك في الفراغ.

لكن،  وعندما تكون في السيارة فإن مهادك يستقبل كل الأنواع من الإشارات المختلطة. فعضلاتك ثابتة لا تتحرك ولكن عيناك تلاحظ بأنك تتحرك بسرعة كبيرة نسبياً وهنالك مشكلة في السائل آنف الذكر والموجود في أذنك الداخلية حيث أنّه يهتز ويندفع.

هذا الأمر يجعل الدماغ في حيرة من أمره نتيجة الرسائل المختلطة التي تصله فالإشارات القادمة من العضلات والعينين تقول بأننا ثابتون بينما الإشارات من مستقبلات التوازن تقول بأننا نتحرك. هذا الاختلاط بسبب الإشارات غير المتطابقة ينبئ الدماغ بأنه يتعرض لهجوم سمي، لأنه وبحسب الشروط التطورية، الشيء الوحيد الذي يمكن أن يسبب اختلاط الإشارات الواردة من المستقبلات هو الذيفانات أو السموم العصبية. لذلك فإنّ دماغك يعتقد بأنه مسمم والشيء الأول الذي يقوم به في حال التسمم هو محاولة التخلص من السم والمعروفة بالتقيؤ. لذلك فإنّه بمجرد أن يشعر الدماغ بالتلبك بسبب اختلاط الأمور فإنه يبدأ بـ “لا أعرف ماذا أفعل سأشعر بالغثيان تحسباً فقط” ونتيجة لحالة الاضطراب التي يعانيها نصاب بالدوار وذلك بسبب أنّ الدماغ في حالة قلق مستمر من أن نكون متسممون.

وبكلمات أخرى فإنّ دماغك الساذج يحاول أن يساعد بأفضل طريقة متاحة له. هذا الأمر يجعل قراءة كتاب في السيارة يزيد الارتباك والغثيان عند العديد من الناس.

لذلك عندما تكون في السيارة تستطيع النظر خارج النافذة لتحسين الوضع، حيث يمكنك أن ترى الأشياء التي تمر بجوارها. ويمكنك رؤية الطريق والحركة بحد ذاتها، وهذا الأمر يشكل بالنسبة لبعض الناس طريقة بديلة ويبدأ الدماغ بالتفكير، ورؤية الأشياء تتحرك، لابد أني أتحرك وبالتالي ينخفض رد الفعل الذي يقوم به وفقاً لقول بيرنيت.

لكن عندما تقرأ فإن جلّ تركيزك منصب على الورقة وبالتالي أنت تتجاهل الكثير من المعلومات البصرية من حولك فيزداد مستوى مغالطة الأحاسيس الواردة وهذا هو مسبب الغثيان في المقام الأول، حيث إنك لا تملك المعلومات البصرية التي تساعدك على إبعاد المخاوف التي تعتري الدماغ.

وهذه هي النظرية السائدة لتفسير دوار البحر، حيث إنّه أثناء تواجدك على السفينة فإنك لا تستقبل المعلومات البصرية التي تثبت لدماغك أنّك تتحرك وهذا يشبه كثيراً ما يحدث لك أثناء قراءة كتاب ما.

لم يشرح العالم بيرنيت هذا الأمر الموجود لدى بعض البشر، والغائب لدى البعض الآخر حيث يقول: ” ليس هناك سبب واضح يفسر حدوث الدوار لدى بعض الأشخاص وغيابه عند غيرهم سوى أنّه شذوذ(خاصية) تطورية. ولا يوجد تفسير أيضاً لغياب الدوار عند بعض الأشخاص الذين سبق أن عانوا منه سوى أنّ أدمغتهم اعتادت على الإشارات المختلطة الواردة من الجسم”.

الآن بإمكاننا القول أنك تسلحت بحقيقة ممتعة ستسلي بها المسافرين معك في المرة القادمة.

المصدر

  • ترجمة: يزن الحريري.
  • مراجعة: لونا حامد.
  • تدقيق لغوي: ابتسام ممدوح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

كيف يحلّل الدّماغ الموسيقا؟

العلماء يطورون طريقة لنقل المعرفة إلى الدماغ بدون مجهود