علم السكون (الستاتيك)؟ ما الذي يعنيه هذا؟
لِمَ نبدأ بتعليم المهندسين مبادئ ميكانيك السكون(الستاتيك) قبل الانتقال إلى ميكانيك الحركة (الديناميك الكلاسيكي)؟
لأنّ المبدأ الرئيسي والأهمّ للديناميك الكلاسيكي وغالبية المجالات الفيزيائية الأخرى هو مبدأ هاملتون للفعل الأقل “Hamilton’s Principle of Least Action”.
يمكن التعبير عن التقدّم في زمن نظامٍ معيّنٍ بأنّه مسارٌ عبر بعض المعامِلات متعددة الأبعاد لفضاءٍ معيّنٍ مثل (المواقع، السرعات مع كل عواملها) وذاك المسار الذي هو فعليًّا يُتّبَع هو الذي (وبتنوع المسارات) يصغّر تكامل دالةٍ معيّنةٍ، تُدعى الفعل، على طول المسار.
القانون العام لهذا المبدأ هو قانون ديراك وفاينمان (مجموع المسارات) قاد لإعادة صياغةٍ مثمرةٍ للميكانيك الكمومي ونظرية الحقل الكمومي، والآن أصبحت مستخدمةً على نحوٍ واسعٍ.
الضرورة الآلية الرياضية لتخفيض تكاملٍ ما على طول مسارٍ بتنوع المسارات يُدعى (حساب التفاضل والتكامل من الاختلافات). ولمعرفة كيفية عمله سنقوم بتطبيقه على مثالٍ بسيطٍ: إيجاد المنحني الممثِّل لحبلٍ منتظمٍ معلّقٍ بين نقطتين خاضعٍ لتأثير ثقله. الفعل لهذه المشكلة الستاتيكية هو الطاقة الكامنة. ولنتحقق يجب علينا إيجاد الجواب الصحيح، سنحلّ المسألة أولًا بالمزيد من التقنيات الستاتيكية التقليدية. ومن هنا نبدأ.
الحِبال (السلاسل)Catenary:
ما هو شكل سلسلةٍ من الحلقات المتصلة ببعضها البعض، الخاضعة لتأثير الجاذبية الأرضية والمعلقة بنقطتين ثابتتين (النقطتان ليستا فوق بعضهما مباشرةً)، الكلمة Catenary (الاسم اللاتيني لـChain) التي تعني السلسلة، والتي صاغها توماس جيفيرسون لوصف هذا المنحني! رغم الصورة التي تتبادر للذهن عند سماع كلمة سلسلة “chain”، إلا إن كلمة catenary تُعرّف بأنها المنحني الذي يتشكل من اقتراب نهاية سلسلة حلقات الوصل من الصفر، مع إبقاء طول السلسلة ثابتًا.
وبعبارةٍ أخرى، تَصِفُ حبلًا معلقًا.
سنقوم بتحليل تلك المشكلة كمقدمةٍ لـ (حساب التفاضل والتكامل من الاختلافات).
أولًا: سنحلها باستخدام طريقةٍ مألوفةٍ ومحبوبةٍ من قِبل الجميع، فقط (عقليًا) بإضافة القوى على قطعةٍ من الحبل. قوى الشد مطبّقةٌ عند نهايتي القطعة، الوزن الذاتي لها يؤثّر باتّجاه الأسفل. في حالة السكون، تُضاف هذه القوى إلى الصفر. سنرى بأنّ كتابة معادلة توازن القوى تعطينا المعطيات الكافية لحساب منحني السلسلة (y(x، ما يعني إنّ الارتفاع y فوق سطح الأرض الأفقي تابعٌ للمتغير الأفقي x ، وبهذا نفهم ميكانيكية المسألة.
الحبل المشدود:
لنلاحظ حبلًا منتظمًا في حالة السكون خاضعًا لقوى الشد الكبيرة من كلا طرفيه وتقع نقاطه على الارتفاع نفسه، إذًا سيأخذ منحىً أفقيًا.
يكون كلّ جزءٍ صغيرٍ جدًّا من الحبل في حالة توازنٍ ستاتيكيٍّ (سكونيٍّ)، إذًا فالقوى متوازنةٌ أيضًا. أولًا، الوزن الذاتي الذي يؤثر نحو الأسفل هو m*g= λ*g*dx حيث λهي كتلة واحدة الطول.
ثانيًا:لا تكون قوى الشد على جانبي الحبل في حالة توازنٍ تامٍّ بسبب التغير البسيط في الميل.
باعتبار محور التراتيب للحبل على اعتبار أن منحني الحبل (y(x، توازن القوى يعطي:
آخذين بعين الاعتبار أنّ أخفض نقطة من الحبل هي المبدأ، ومنه المنحني قطعٌ مكافئٌ.
إن لم يكن الحبل مشدودًا جدًّا:
بالحقيقة، أخذنا في التحليل السابق التقريب بعين الاعتبار، فيما يلي: لقد افترضنا طول الحبل المدروس هو المسافة بين x وdx وهو في الحقيقة ds، حيث المتغير s يعبّر عن الطول الفعلي المُقاس على الحبل (مع انحنائه)، بالإضافة لأننا اعتبرنا الشد بقيمٍ غير متفاوتةٍ. هذا التقريب جيدٌ جدًّا لحبلٍ غالبية وضعه أفقي، لكن، إن فكرنا بحبلٍ بطول مترٍ ومعلّقٍ بين نقطتين فندرس قطعةً بطول 5 سم، وحيث يبدو جليًا أن تلك التقريبات تصلح فقط من أجل حبلٍ أفقيٍّ.
بشكلٍ واضحٍ: لحبلٍ معلقٍ شاقوليًا بشكلٍ تقريبيٍّ، قوة الشد تتوازن مع الوزن الذاتي للحبل تحتها، وتؤول إلى الصفر في الأسفل، وتتزايد تبعًا للارتفاع بشكلٍ خطيٍّ (تقريبًا). ناهيك عن أنّ ذلك ليس قطعًا مكافئًا. تقريب الثابت T ليس جيدًا. لكن العالم توماس وويل قام بحلّ المشكلة في ثلاثينيات القرن التاسع عشر.
ما قام به هو العمل على معادلة التوازن الستاتيكي لحبلٍ ذي طولٍ محدّدٍ إحدى نهايتيه للأسفل.
إن كانت قيمة الشد في الأسفل T0،وعلى بعد مسافةٍ s، مقاسًا على طول الحبل، يكون الشد T، يصنع الشعاع T مع الأفق زاوية θ (كما في الشكل)، فتعطينا معادلاتُ توازن القوى مركباتِ القوى:
T cosθ=T0 , Tsinθ=λgs
من انحناء الحبل:
Tanθ=(λgs)/(T0)=s/a
حيثa ثابت ويساوي: (a=(T0)/(λg
ويحدد مقياس الطول.
لدينا معادلةٌ تربط بين s و θ. رغم أن المعادلة التي تربط المتغير y (الارتفاع الشاقولي) بالمتغير x، هي التابع (y(x.
رأينا الميل:
dy/dx=tanθ=s/a
وهذه الكميات المتناهية في الصغر ترتبط بعضها ببعض بالعلاقة
وبأخذ الجذر التربيعي للطرفين وترتيب الحدود:
وبإجراء التكامل مباشرةً بالاستبدال:
S=asinhξ , ds=acoshξdξ
dξ=dx/a
والذي يؤدي بالتكامل لـ
x/a)+b= ξ)
حيث b ثابت التكامل
(S=a sinhξ=a sinh(x/a
باختيار المبدأ: x=0 عندما s=0
ممّا يجعل b=0
لكن ما نريده هو شكل منحني التابع (y(x وليس (S(x، فنستبدل S بـ y، فنكتب y بدلالة S ثم نستبدل S:
(S=asinh(x/a
ونتذكر إحدى المعادلات السابقة للميل: dy/dx=s/a
وبوضع (S=asinh(x/a
ينتج:
ady=sdx=asinh(x/a)dx
وبالتكامل:
(y=acosh(x/a
وهي العلاقة المطلوبة ل y منحني السلسلة.
ملحوظة: في عملية التكامل حذفنا ثابت التكامل الذي يحدّد فقط موضع المبدأ.
الأقواس المثالية:
لننتقل الآن للأقواس التي هي عبارةٌ عن منحنياتٍ مقلوبةٍ. على سبيل المثال القوس الروماني: حرف U المقلوب.
عادةً، نرى الأقواس الرومانية بشكل مجموعاتٍ كما في الصورة السابقة، لكن، سندرس قوسًا واحدًا مفردًا. نفترض بأنه مؤلف من مجموعةٍ من الكتل وله المقطع العرضي نفسه في كل نقاطه.
ما هي القوة بين الكتل المتجاورة؟
بمساواة قوى الضغط في قطع القوس الملونة في المخطط، نلاحظ أن لقوة الضغط في القطعة السفلية مركبةً أفقيةً، لموازنة القوة في الأعلى، ولذلك المادة الرابطة بين القطع تخضع لإجهاد قص. أو في حالة عدم وجود مادةٍ رابطةٍ بين القطع، توجد قوة احتكاكٍ قويةٌ. (في الصورة العلوية، تدعم مجموعة الأقواس بعضها بقوى الضغط الجانبية).
إذًا: القوس المنفرد المبيّن ليس مثاليًّا، حيث من المحتمل أن ينهار جانبيًا.
لنعرّف قوسًا مثاليًّا غير قابلٍ للانهيار جانبيًّا لا للداخل ولا للخارج.
(بما معناه عدم وجود إجهاد قص بين القطع، وقوى الضغط بين القطع هي قوىً عاديةٌ، وتؤثر على كامل طول القوس).
يبدو هذا مألوفًا! من أجل حبلٍ معلقٍ، قوة الشد التي تؤثر بشكلٍ واضحٍ على كامل طول الحبل.
ونضيف لقوسنا المثالي بأن للقطع وزنًا ذاتيًّا ثابتًا لكلّ مترٍ طوليٍّ من القوس.
ويمكنك ملاحظة أن توازن القوى الستاتيكية المؤثرة في القوس مشابهٌ للقوى المؤثرة في الحبل المعلق المذكور آنفًا، ماعدا أنّ كلَّ شيءٍ معكوسٌ، حيث قوى الشد تصبح قوى ضغط بالنسبة للأقواس، بالإضافة لأنّ كلّ ذلك مقلوبٌ.
ومع ذلك، المعادلات متشابهةٌ رياضيًا، وشكل القوس المثالي هو بالحقيقة عبارةً عن سلسلةٍ. حريٌّ بنا أن نذكر بأن الوزن الذاتي للمتر الطولي من بعض الأقواس حقيقةً كالقوس الشهير في “سانت لويس” غير ثابتٍ، حيث تصبح ذات سماكةٍ أكبر في الأسفل، وبهذا يعتبر هذا القوس شاذًا عن القوس المثالي.
تبين الصورة قوس سلسلةٍ، وهو موجودٌ في برشلونة، داخل منزل صمّمه المعماري غودي.
المصدر:
- ترجمة: يارا بو سعد.
- مراجعة: رأفت فياض.