مادتك الوراثية تفتقر إلى المورّثة CCR5؟ حسنًا… هذا قد يعني تعافٍ أفضل من السكتة الدماغية!
توصلت دراسات حديثة إلى أن الأشخاص الذين يفتقرون لجينةٍ معينة قد يتعافون بشكلٍ أفضل من السكتات الدماغية والإصابات الدماغية الرضّية مقارنةً بالأشخاص الذين يمتلكون هذه الجينة.
إن الجينة التي يُطلق عليها CCR5 هي نفسها الجينة التي تُعتبر محورًا للبحث ضمن الدراسة الحديثة ”CRISPR babies” التي أثارت جدلًا كبيرًا، قام من خلالها عالم صيني بتعديل جينة مستحصلة من جنينين توءم في مرحلة المضغة، وذلك لتكوين مقاومة عند الأطفال من فيروس عوز المناعة البشري HIV.
يُظهر الأشخاص الذين يفتقرون للجينة CCR5 في مادتهم الوراثية مقاومةً لفيروس HIV، وفي واقع الأمر تعتمد آلية علاج هذا الفيروس (دواء مارفيروك Maraviroc) على حجب مستقبلات CCR5. حيث تقوم الجينة CCR5 بإرسال أوامر للخلية لتخليق بروتينات ”CCR5 protein”، وتقوم هذه البروتينات بالارتباط بمستقبلات خاصة “CCR5 receptor”.
وجد الباحثون في الدراسة الجديدة التي نُشرت في الحادي والعشرين من شباط/فبراير في مجلة Cell العلمية، أنه عندما يقومون بحقن فئران التجارب بمادة مارافيروك الدوائية المذكورة سابقًا لحجب مستقبلات CCR5، تزداد قدرة هذه الفئران على التحكم بمشيتها وأطرافها.
لم تشتمل التجربة على إصابة الفئران بالسكتة الدماغية، ولكن بالرغم من هذا، تلقي نتيجة البحث الضوء على المرض بتجلّ، وذلك لأن المرضى الذين أصيبوا بالسكتة الدماغية من الممكن أن يواجهوا صعوبات في الحركة والتحكم بمختلف أجزاء أجسامهم.
لكن، لمجرد أن تكون لتجربةٍ ما نتيجةٌ على الحيوانات لا يعني بالضرورة أنه سيكون لها التاثير نفسه على الإنسان. تعاون الباحثون مع علماء إسرائيليين في جامعة تل أبيب كانوا يرصدون عمليات تعافٍ لما يُقارب 450 مريض تعرضوا لسكتات دماغية خفيفة لمتوسطة الشدة وذلك لمعرفة دور الجينة CCR5 في تعافي الإنسان من السكتات الدماغية.
قال الدكتور توماس كارمايكل Thomas Carmichael؛ كبير الباحثين والمدرس ورئيس قسم علم الأعصاب في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس: “إن العديد من هؤلاء المرضى يفتقرون لجينة CCR5”.
وأضاف العالم كارمايكل بأن هذا الجين غالبًا ما يكون غائبًا عند اليهود الأشكناز، والعديد من هؤلاء المرضى في الدراسة كانوا من اليهود الأشكناز.
وحدث ما كان متوقعًا؛ وجد الباحثون أن المرضى الذين يفتقرون إلى الجينة يتعافون بشكلٍ أفضل سواء كان هذا التحسن جسديًا حيث السيطرة على حركاتهم، أو عقليًا بحيث طرأ تحسن على الذاكرة وعلى الوظيفة اللفظية والانتباه مقارنةً بأولئك الذين يمتلكون الجينة في مادتهم الوراثية.
إحدى التفسيرات المحتملة للنتائج بحسب ما قاله كارمايكل، هي أن فقدان الجينة CCR5 يحول دون انقطاع الاتصال بين العصبونات الدماغية الموجودة بالقرب من موقع الضرر الناجم عن السكتة الدماغية، بل أنه يحفز اتصال عصبي جديد بين عصبونات دماغية في مناطق أبعد عن مكان حدوث السكتة.
وعلى العكس من ذلك، فإن أدمغة المرضى الذين يمتلكون هذه الجينة قد تكون لديهم قدرة منخفضة على التأقلم وإعادة التنظيم.
صرحت الدكتورة هايدي شامبرا Heidi Schambra لموقع Live Science، مديرة علم الأوبئة العصبية في مركز لانغون هيلث الطبي التابع لجامعة نيويورك NYU Langone Health، والتي لم تكن مشاركة في الدراسة المذكورة:
“تشير النتائج إلى نهج علاجي جديد لتعزيز عملية الشفاء بعد السكتة الدماغية والإصابات الدماغية الرضية، لكن بالنسبة لاستخدام دواء مارافيروك كعلاج لمرضى السكتة الدماغية، عليه أن يجتاز بدايةً التجربة السريرية التي تختبر بشكلٍ مباشرٍ مدى نجاح استخامه لهذا الغرض بشكل خاص”.
وفي واقع الأمر، بدأ الباحثون المرحلة الثانية من الاختبارات السريرية للإجابة على هذا السؤال.
قد يبدو غياب الجينة CCR5 من مادتنا الوراثية أمرًا جيدًا، إلا أنها قد تنمحنا بعض الفوائد كما يقول كارمايكل؛ فعلى سبيل المثال، افترض بحثٌ سابقٌ أنها تلعب دورًا هامًا في تكوين الذاكرة.
تتشكل الذكريات عندما تتحد مجموعات من العصبونات الدماغية مع بعضها عقب حدوث تنبيه. ولتتوقف عملية تشكيل الذكريات ترسل الجينة CCR5 أمرًا لإيقاف اتصال هذه المجموعات الخلوية.
يقول كارمايكل: “عندما تدخل إلى مطبخك وتكسر بيضة في المقلاة، أنت تريد أن تتذكر قيامك بهذا الفعل، ولكنك بالمقابل لا تريد لذاكرتك أن تخزّن أصوات الضجيج القادمة من الفناء الخارجي في هذه الأثناء. حسنًا، هذا ما يُعتقد بأن الجينة CCR5 مسؤولةٌ عنه”.
بالرغم من كل ذلك، أشار كارمايكل إلى أنه إذا كانت التقارير حول نتائج تجربة التعديل الوراثي على الأطفال صحيحة، وأن العلماء قد استطاعوا بالفعل تحوير الجينة CCR5، فمن الممكن أن تشتمل التأثيرات -سواء كانت مفيدة أو لا- على ما يفوق نطاق الجهاز المناعي وحسب. ويضيف قائلًا: “من الصعب معرفة ما سيحدث بالضبط بعد التجربة، فلا ريب أن الدماغ والجهاز المناعي فائقا التعقيد”.
نُشر وعُمم في موقع Live Science.
- ترجمة: مرح مسعود.
- مراجعة: فريز إبراهيم.
- تدقيق لغوي: رأفت فياض.