تضمُّ عائلةُ الحربائيات Chamaeleonidae حوالي 170 نوعًا من السَّحالي، و تصنّف تحت رتبة الإيجوانيات Iguania التي تضمّ إلى جانبها سحالي الإيجوانا المشهورة التي تحدّثنا عنها في مقالٍ سابق من تلك السّلسلة ( قدرات خارقة: الإيجوانا البحرية (الأكورديون الحي) )، تتنوّع أحجام الحربائيّات وأطوالها من 1.5 سم في حالة Brookesiamicra إلى 60 سم في حالة حرباء مدغشقر العملاقة Furciferoustaleti، تتميّز هذه السّحالي المدهشة بعينين تستطيعُ تحريك كلٍّ منهما تحريكًا مستقلًا عن الأخرى ممّا يمنحُها مدى رؤيةٍ أوسع من أي كائن فقّاريٍّ آخر على وجه الأرض، و بلسان لزج قابل للمطّ ليبلغَ طوله ضعْف طولها تقريبًا. وة في بعض الأنواع تستخدم لسانها في صيد طعامها من الحشرات. والأمر الذي يثير الدّهشة هو أنّ الحربائيّات لا تتوقف عن النمو طوال حياتها، وعندما يكبر جسمُها على الجلد فإنّها تنسلخُ على مراحل، فتتخلّص من جلدها القديم قطعةً تلو الأخرى على عكس الثعابين التي تنسلخ في خطوةٍ واحدة.


و لكن، إنّ أكثر ما يثير الذّهول لدى الحرباء هو قدرتُها على تغيير لونها، فهي تستطيع تغيير لون جلدها استجابةً لمتغيّراتٍ عديدة إذ تستخدم تلك الخاصيّة المدهشة للتّماهي مع البيئة المحيطة فلا تستطيع المفترسات رؤيتها. ويفيدها ذلك التّمويه في أثناء الصيد أيضًا. وتكاد تنعدم فرصة الحشرات في رؤيتها وهي قادمة مع حركتها البطيئة للغاية، فيتغيّر اللّون استجابةً لنشاطها الهرموني تغيّرًا معقّدًا للغاية أيضًا، إذ يتغيّر لون الذّكور إلى الأصفر أو البرتقاليّ أو الأحمر عندما يعلو مستوى التّستوستيرون في دمائها في أثناء موسم التّزاوج؛ أي عندما تُستثار جنسيًّا أو عندما تتعارك مع بعضها. وبعد انتهاء العراك يتحول لون الذّكر المهزوم إلى لونٍ أغمق (غالبًا البنيّ أو الرّمادي). تتغيّر ألوان الحرباء استجابةً لشعورها بالغضب، أو الخوف، أو استجابةً لظروف بيئيّة معينة كالجفاف، أو الإضاءة، أو ارتفاع درجة الحرارة أيضًا.
هذا الفيديو لحرباء ينتقل لونُ جلدها بين عدّة ألوان انتقالًا مدهشًا:
ولكن كيف تحدث عمليّة تغيير اللّون؟
قد يتبادر إلى ذهنك أنّ ذلك يكون عن طريق صبغاتٍ شبيهة بالميلانين الذي لدينا، وهو الذي تكوِّنه الخلايا الصبغيّة الميلانينيّة Melanocytes، والذي يُعطي جلدنا و شعرنا وعيوننا ألوانَها المميّزة. إنَّ هذه الآلية موجودةٌ في الحيوانات ذوات الدّم الحارّ كالثدييات و الطّيور، ولكن توجد طبقةٌ في الحيوانات ذوات الدّم البارد كالزّواحف والبرمائيات والأسماك تُعرف بحاملة الصّباغ Chromatophore تحوي خلايا تستخدم أصباغًا أخرى غير الميلانين. حدثتْ طفرة مثيرة في مرحلةٍ سابقة لدى السّلف المشترك لجميع أنواع الحربائيّات في كيفيّة تكوّن الطّبقة حاملة الصّباغ هذه. إذ أصبحت تتكوّن من عدّة طبقاتٍ عاكسة للضوء Iridophore, تحمل العلويّةُ منها صبغة، ولكن تحوي خلايا الأخريات بلوراتٍ نانويّة من الجوانين.
يبلغ قطرُ الواحدةِ منها حوالي 130 نانومتر. وعند سقوط الضّوء على هذه البلّورات، فإنّه يتبعثر، فتمتصّ ألوانًا، وتنعكس ألوانٌ أخرى لتراها عيناكَ على حسب الشّكل الفراغيّ الذي يُسبّبه تكتّل تلك البلوّرات، فعندما تقلّ المسافات بينها تعكسُ موجاتِ الضّوء الأزرق ذي الطّول الموجيِّ الأقصر والتردّد الأعلى، وعندما تتّسع المسافاتُ بينها فإنّها تعكس موجات الألوان الأخرى ذوات الطّول الموجيّ الأطول والتردّد الأقلّ الأخضر ثمّ الأصفر ثمّ البرتقاليّ ثمّ الأحمر، وينتجُ اللّون النهائيّ الذي تراه عيناكَ من محصّلة اللّون المُنعكس عن تلك البلّورات مع لون الصّبغة الموجودة بالطبقة العلوية.
إذن فالمسافات بين تلك البلّورات النّانوية هي التي تتحكّم في لون جلد الحرباء، و يتحكّم في تلك المسافات عوامل متعدّدة من النّشاط الهرمونيّ إلى الظروف البيئيّة المحيطة، حتى التّعامل المباشر.

كان جيريمي تيزييه وفريقُه من جامعة جنيف قد أجروا دراسةً مثيرة على الحرباء النّمر Furciferpardalis، وأظهروا كيف تعمل هذه البلّورات، وأظهرت دراستهم كيف أنّ طبقات حاملات الصباغ لها وظيفة أخرى لا تقل أهمية، ففي الطبقات الأعمق ستصبح بلورات الجوانين أكبر حجمًا. وهذا يجعلها تعكس الموجات الأقرب للأشعة تحت الحمراء مما يساهم في الحفاظ على درجة حرارة جسد الحرباء.

يمكنك اختبار هذا بنفسك. فلو أنك ضغطت بإصبعك على جلد الحرباء ستنضغط الخلايا العاكسة للضوء لتقلَّ المسافات بين البلورات، فيصبح مكان ضغط إصبعك بلون ذي طولٍ موجيٍّ أقل، وتردد أعلى من لون جلدها كالأزرق، ثمّ يتلاشى اللون تدريجيًّا بعد زوال الضّغط.
هذا الفيديو يشرح العملية:
تستطيع الحرباءُ من خلال تحكّمها في قدرة خلاياها على ضغط أو بسط تلك البلّورات معًا استخدامَ سلاح مذهل لا يستطيع أي كائن أخر في بيئتها مجاراتها فيه. ممّا يمنحها أفضليّةً لا مثيل لها في كلٍّ من الهربِ من المفترسات، والصيد.
المصادر:
- إعداد: محمد علي.
- مراجعة: لونا حامد.
- تدقيق لغوي: غنوة عميش.