in

عندما يَخلق اِجتماع العلم بالفن إبداعاً !

تعاون مارسيلو كويلو Marcelo Coelho بصفته طالباً متخرجاً من مختبر وسائل الإعلام بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا M.I.T. Media Lab، مع الفنان فيك ميونيز Vik Muniz لمُساعدته في الوصول إلى ما يمكن أن يكون إنجازاً مبهراً على الصعيد الشاعري والتقني، فكانت فكرة رسم صورة لقلعة على حبة رمل واحدة.

بعد فشل التجارب باِستخدام أنواع مختلفة من الليزر لما يقارب السنتين، تمكّنا أخيراً من الحصول على صور يكمن جمالها في تعقيداتها وذلك بوساطة المجهر الإلكتروني. تمّت العمليّة عن طريق اِستخدام شُعاع مكثّف من الأيونات لنقش الخطوط شديدة الرّقة، حيث تمكّنا بهذه الطريقة تَجنّب سحق حُبيبات الرمل معاً. أمّا بالنسبة للنقوش الصغيرة للغاية، فتمّ إجراء مسح عليها ومن ثمّ طباعتها بقياس أكبر.

اِضطر كويلو في البداية إلى تَملّق حارس البوابة حتى يتمكّن من اِستخدام مجهر تساوي قيمته عدة ملايين من الدولارات والذي يُستخدم عادةً لترميم الرّقاقات. حيث يقول بأنَّه إن حاول أحدهم القيام بشيء غير علمي في مخبر للعلوم، فسيكون محطّ ضحك للجميع. برغم ضيق الوقت الذي اِستطاع فيه كلاهما أن يحصلا على إذن بالدخول، إلاّ أنَّه في أحد الأيام تمكّن التقني الخاص بالمختبر من رؤية النتائج المذهلة لأعمالهما، حيث كانت المعالم المجهرية لحُبيبات الرمل تُشبه المناظر الطبيعية الجبلية. قام المختص بعد ذلك بالسماح لهما باِستخدام الآلة لوقت أطول، كما اقترح عليهما بعض الصور التي يمكن أن يقوما باِبتكارها. والجدير بالذكر أن كويلو كان قد أمضى أربع سنوات من حياته في العمل على سلسلة “القلاع الرملية” تلك.

( لمشاهدة سلسلة “القلاع الرملية” هنا )

تلقّى ميونيز إضافة لثلاثين فنان آخر  كـ “توماس ساراسينو Tomás Saraceno” و”أنيكا ياي Anicka Yi” دعوة لضمّهم مباشرةً إلى مخابر معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، سواسية مع طلابه منذ نشأة مركز الفن والعلوم والتكنولوجيا “CAST”، التابع للمدرسة في العام 2012.

قام مركز CAST بإعادة إحياء نموذج معهد M.I.T. في أواخر ستينيّات القرن الماضي، والذي يتضمن إحضار فنانين جدد للعمل على “أنسنة” التكنولوجيا ( أي إضفاء صفة الإنسانية عليها) وعلى خَلق تفكير شامل وموّسع لدى العلماء. يَتصدر معهد M.I.T. نُظرائه ممّن يدعمون حركات متعددة التخصُّصات كهذه مُظهراً التزامه المؤسَّسي، إلاَّ أنّه يقوم أيضاً بالاِستفادة من إرث الفنانين المهتمين بالعلم منذ عصر ليوناردو دافنشي Leonardo da Vinci، لكنَّ هذه الظَّاهرة لم تَنتشر إلاّ بعد أن أصبحت التكنولوجيا أكثر شيوعاً وسهولة.

تُعرض صور ميونز التي اِستخدم فيها مواد و أدوات غير اعتيادية، خلال مَعرض يتضمن أعمال نصف حياته المهنية، حيثُ أقيم المعرض في المتحف العالي في أطلنطاHigh Museum in Atlanta، كان يَتضمن صوراً لخلايا بكتيرية وسرطانية مضاءة بوساطة المجهر الفلوري، ومُعاد تصميمها في أشكالٍ مُعَقدة، وذلك ضمن سلسلته “المستعمرات” التي عمل عليها في معهد M.I.T. ، بالتعاون مع المهندس في علم الأحياء تال دانينوTal Danino.

( لمشاهدة سلسلة “المستعمرات” هنا )

يَعرض منسّق المعرض بريت أبوت Brett Abbott صوراً على مقاييس مجهرية إلى جانب سلسلة “أعمال الأرض” الخاصة بـ ميونيز والمصنوعة على مقاييس ضخمة باِستخدام جرّافات، والملتقطة بوساطة كاميرات من على هيليكوبتر. و يقول أبوت بأنَّ هذه الصور تمكنت من أن تنقل اِهتمام ميونيز بالمقياس و المنظور إلى مرحلة جديدة كلياً.

( لمشاهدة سلسلة ” أعمال الأرض” هنا)

لقد حقَّق هذا التعاون مصالح لكلا الطرفين من خلال فتح أبواب لكل طرف على أمور لم تكن في حسبانهم. تقول ليلى كيني Leila Kinney المديرة التنفيذية لـ CAST بأنَّ هذا التّوافق بين الفنانين والعلماء، يُساعد في تطوير عمل الفنانين، ويخلق تحدياً للباحثين في CAST.

يَرى ميونيز أنّه لا شك في اِمتلاك العلماء لخيال جامح، إلاَّ أنَّ خيالهم هذا لا يدور في دائرة الخيال نفسها التي يمتلكها الفنانون. كما يرى بضرورة أن يأخذ هؤلاء الباحثون إجازة من حقل عملهم المعتاد، وأن يفكروا بطريقة أُخرى، موضّحاً أنَّ هذا سيؤدي حَتماً لاِنعكاسات واسعة النطاق تَخصُّ هؤلاء الأشخاص. لقد كان ميونيز مذهولاً بالطريقة التي اِستطاع بها “دانينو” هندسة الخلايا البكتيرية والسرطانية، لتُضيء بوساطة المجهر الفلوري، وذلك ليتمكَّن من تَعقب سلوكها المنظَّم بشكل أفضل.  و يقترح ميونيز اِستخدام هذه الكائنات المجهرية الملونة بحيوية، والتي تتمثل بالخلايا التي تثير الخوف والرعب لدى الناس، لخَلق صور مُنظَّمة وجميلة ومتوازنة كالتي نراها في الأنماط الفكتورية ( التي تعود للعصر الفكتوري) والإسلامية، وفي تصاميم الدارات الكهربائية.

يرى ميونيز أنَّ جمال هذه الصور يَكمن في أنَّنا نستطيع النظر إليها كوحدة متكاملة، بالإضافة إلى إمكانية النّظر إلى مكنوناتها الفردية على حدى. يَستوجب التقاط الصور من المجاهر بدقة عالية الوضوح، وذلك لتَتوضح كل نواة لكل خلية ظاهرة في الصورة المكبّرة. إلاَّ أنَّه وحسب دانينو فالطريقة المستخدمة في خلق أنماط معقدة لم تكن موجودة في الأدب العلمي، لذا قام بالتعاون مع ميونيز لاِبتكار تقنية لصنع المرسامات من “الكولاجين”، وهو وسط لزج تستخدمه الخلايا في الربط بين بعضها البعض وفي الاِنتشار، مشكلةً مجموعة من الأنماط. ويقول أبوت أنَّ تلك هي أول قطع فنية مصنَّعة من قبل خلايا فيروسية مدربة.

كما يُضيف دانينو، الذي اِنتقل مؤخراً إلى جامعة كولومبيا بصفته مديراً لمختبر “الأنظمة البيولوجية التركيبية” هناك، بأنَّ سلسلة “المستعمرات” هذه تُعد مثالاً جيداً للاِستفادة من التقنيات الفنية في أغراض علمية. الجدير بالذكر أنَّ عائدات هذه السلسلة يذهب رَيعها للأبحاث السرطانية.

كما تمَّ اِستدعاء دانينو للعمل في مجال آخر يتجسد في التعاون مع الفنانة التشكيلية أنيكا ياي  Anicka Yi المعروفة بدمجها للعلم والعطور في أعمالها النحتية. خلال فترة إقامتها في معهد M.I.T. ، كانت تمتلكها رغبة في اكتشاف ما سمَّته بـ “الخوف الذكوري”  الذي يتمحور حول النظافة الشخصية والعدوى، والتي تعتبرها ياي وصمة عار قائمة على التمييز الجنسي. فكانت نتيجة تعاونهما خلق مجموعة من “البكتيريا الأنثوية” لتستخدمها في معرضها في نيويورك.

طلبت ياي من 100 فتاة من صديقاتها  زميلاتها، أن تزودنها بعيّنات من البكتيريا الموجودة في أجسادهن، ثم قام دانينو بدوره بزرعها بشكل فردي في المختبر و من ثمَّ مع بعضها البعض في عُلب بيتري في موقع المعرض.

 لم تكن هذه التجربة خاضعة لقانون معين، فقد تم تسخين كميات كبيرة من الجل المغذي في أطباق و أوعية في الموقد الخاص بمكان المعرض The Kitchen، إلاَّ أنَّ قياس درجات الحرارة كان خاطئاً ممّا اِضطرهم إلى إعادة الكرَّة. أدّى ذلك إلى نمو أشياء عشوائية في علب “بيتري” بتأثير من البيئة غير المعقمة في المكان. يقول دانينو بأنَّه رأى ياي تستخدم البكتيريا و كأنها طلاء للأظافر، فهي لم تستخدم حتى القفازات المطاطية، ممّا اِضطره لتهدئة الأوضاع في الطرف العلمي ليُساعد في نجاح هذا العمل في النهاية.

 ( لمشاهدة أعمال معرض ياي هنا )

  دعت CAST السيد ساراسينو Mr. Saraceno ليكون ضيفاً اِفتتاحياً لعام 2012، ويُعرف بأعماله المتضمّنة لمنحوتات ضخمة قابلة للنفخ، إضافة لشبكات معقدة تشغل حجم معرض بأكمله، يستدعي من خلالها مدناً عائمة وشبكات عصبية ومجسماً للكون الذي يتوسع بشكل لانهائي. وكان قد أكمل ساراسينو عمله مع كلية M.I.T. من خلال التَّوسع في نسخته الطوباوية المثالية من الطيران حول العالم في منحوتته القابلة للطفو عن طريق تباين درجات الحرارة داخل وخارج المنطاد الشمسي.

 ( لمشاهدة منطاده )

التقى ساراسينو بعالمة الأرصاد الجوية في  معهد  M.I.T لودوفيكا إيلاري Lodovica Illari، التي رأت في حلمه بالطيران البديل أمراً بعيد المنال. تقول إيلاري بأنها أرادت أن تصحح له ما يقوله، وهذا طبيعي لكونها عالمة، إلاَّ أنَّها قررت أن تَسكت حين قال بأنَّ أول خطوة لتنفيذ الشيء هي أن نتخيل حدوثه.

منذ ذلك الحين، دعمت إيلاري مشروع ساراسينو وبدأت تعمل معه على تحليل مسارات الطيران القديمة للمناطيد الشمسية، إضافة إلى العمل على محاكاة طيران يمكن القيام به بالاستناد لظروف الإطلاق وأنماط المطبات الهوائية في طبقة الستراتوسفير. كما قرَّرت إيلاري أن تعرض ما أنجزوه خلال العرض المفتوح لمعهد M.I.T. في الثالث والعشرين من شهر ابريل لهذا العام. وتقول إيلاري بأنَّ هدفها هو تزويد أحد مناطيده الشمسية بأدوات للتمكن من أخذ عينات للأوزون خلال الليل والنهار.

ساعدت ملاحظات ساراسينو حول العناكب في إنشاء شبكات من حبال مطاطية بالتعاون مع المهندس المدني لدى معهد M.I.T. ماركوس بوهلر Markus Buehler، الذي دَرس تركيبة البروتينات في حرير العناكب على كونها مادة بناء مثالية يمكن إعادة إنتاجها صناعياً. لم يكن بوهلر قد نفذ مشروعه هذا إلاَّ على الكمبيوتر حيث صمَّم نموذجين لشبكات ثنائية البعد، لهذا السبب أبدى اندهاشه من عمل ساراسينو الفوتوغرافي الذي قام به عبر مسح كل ميلمتر لشبكة عنكبوت الأرملة السوداء يدوياً. و منذ لك الحين تعاون الإثنان على تطوير آلية لمسح مسارات الشبكات بشكل ثلاثي الأبعاد أثناء بناءها.

( لمشاهدة سلسلته هذه هنا )

يقول بوهلر أنَّه يعمل مع ساراسينو على فهم آليّة العناكب في صنع أشكال شديدة التعقيد ضمن مجال مفتوح وبدون أي سقالات أو أي نوع آخر من المساعدة، ولذلك يقوم بوهلر بتربية عناكب في القبو الخاص به في معهد M.I.T. لتبني مدن صغيرة، حيث يعتقد بأنَّه سَيتم الاِستفادة من هذه التجارب في المجالين الهندسي والمعماري في المستقبل. ويضيف بوهلر أنَّه من الضروري أن يكون المرء مبدعاً، لذلك يجمع طلابه في المعهد مع ساراسينو في نفس الغرفة، فهم يتعلمون منه جموح الخيال المهم لحل أيّ مشكلة.

المصدر: 1

  • ترجمة: ميرا الجندي.
  • تدقيق لغوي: رضى جيلاني.

بواسطة الفضائيون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التيرموديناميك: القانون الصفريّ

ماهي اللانهاية؟