in

كيريوسيتي تعثر على أساسات قديمة للحياة على المريخ

عثرت مركبة ناسا “كيريوسيتي روفر” على تشكيلة متنوعة من الجزئيات العضوية، أي ما نعرفه بجُزيئات بناء الحياة الكربونية، في أحد الصخور التي يُقدّر عمرها بـ 3.5 مليار عام كما وضّح أحد الأبحاث.

“لا تُعطينا هذه النتائج أي دليلٍ على وجود حياة”

كما قالت دراسة قامت بها “جينيفر أيجنبرود” وهي إحدى علماء قطاع استكشاف النظام الشمسي في مركز “رحلة جودارد الفضائية” التابع لوكالة ناسا في جرينبيلت، ميريلاند.

وقال “أيجنبرود” لموقع  space.com:

“ولكن هناك احتمالية أنّ هذه الجزئيات العضوية قد تعود لمصدر حياة قديم جدًا، لكننا لا نعرف … حتى لو لم يكن هناك حياة، هذه الجزئيات توضح لنا أنّه وُجد على الأقل مصدر غذاء للكائنات الحيّة”.

يوضح البحث الآخر تفاصيل اكتشاف مركبة كيريوسيتي، ويقول أنّ تركيز الميثان في الغلاف الجوي للمريخ يكون موسميًا. يقدم هذا الاكتشاف اقتراح أنّ غاز الميثان، والذي يُنتج على الأرض من وجود الكائنات الحية بشكل أساسي، يتسرب من خزانات موجودة تحت سطح المريخ، كما وضّح فريق العمل في البحث.

مجددًا، هذه النتائج لا تُعطي دليلًا على وجود الحياة، حيث أنّ الميثان يُمكن أن ينتج بسبب عمليات جيولوجية، ولكنها متناغمة مع وجود كائنات مرّيخية، والذي سيكون خبرًا مثيرًا بحد ذاته.

“لا يمكننا استبعاد احتمالية أنّ غاز الميثان يمكن أن يكون نتج من أسباب حيوية … لا يمكن أن نقول قطعًا أنّه وُجِدت مخلوقات مريخية، ولكننا بالتأكيد لا نستبعد هذه الفكرة. وبالتالي، هذا خبر إيجابي للباحثين في بيولوجيا الفضاء في العالم”.

كما قال مؤلف البحث الثاني “كريس ويبستير”، وهو من كبار باحثي مختبر الدفع النفاث (JPL) التابع لوكالة ناسا في باسادينا، كاليفورنيا.

نُشرت الدراستان السابقتان بتاريخ 7 يونيو/حزيران في المجلات العلمية.

اللبنات الأساسية لوجود حياة

لمطاردة الأدلة على وجود العضويات على المريخ تاريخ طويل ومُعقّد. بدأت مع برامج فايكنج (Vikings) التابعة لوكالة ناسا، والتي اختبرت عدّة أماكن من الكوكب الأحمر في عام 1976 للبحث عن دلائل للحياة. تضمنت الحمولة العلمية للبرنامج آلةً تًسمى “آلة قياس أطياف كروماتوجرافية الغاز” (GCMS)، والتي يقوم بتسخين تربة المريخ ودراسة الجزيئات المتبخرة.

بالرغم من أن أبحاث وتجارب برنامج فايكنج أنتجت نتائج غامضة ومثيرة للاهتمام، لم تجد آلة الكروماتوجرافية أي دليل على وجود العضويات. لكن بالتأكيد، وجدت الآلة دلائل على وجود مركبين كيميائيين من الكلور والميثان، وهُما –كلوروميثان وَدايكلوروميثان (chloromethane and dichloromethane)– واللذان اعتُقد أنّهما نتجا عن تلوث إشعاعي صادر من الأرض في البداية. أقنعت هذه النتائج العُلماء في ذاك الوقت بأن الكوكب الأحمر هو كوكب ميّت، والحياة المعروفة لدينا مستحيلة عليه دون جُزيئات عضوية.

لكن الفكرة السابقة بدأت بالتغيّر في عام 2008، عندما وجد مشروع فينيكس (phoenix) التابع لوكالة ناسا مركبات كيميائية تحتوي على الكلور تُسمى بـ” فوق الكلوريات” (perchlorates) في تربة المريخ. نبّه بعض الباحثين على أنّ المركب المكتشف من الممكن أن يؤدي إلى تدمير العضويات في العيّنة الساخنة، واقترحوا أنّ بعض التفاعلات قد تكون مسؤولة عن عدم وجود نتيجة عضوية في نتائج آلة GCMS.

في عام 2011، حصلت هذه الفرضية على بعض الدعم. قام باحثون بتسخين تربة تحتوي على فوق الكلور (perchlorate) واستطاعوا ملاحظة وجود الكلوروميثان والدايكلوروميثان (chloromethane and dichloromethane) في أبخرة العيّنة.

بعد ذلك، بدأت الدلائل تأتي من مركبة “كيريوسيتي”. هبطت المركبة داخل فوهة غيل gale crater  في شهر أغسطس/آب من عام 2012، لتبدأ بالبحث عن دلائل إذا ما كان لدى الكوكب الأحمر القدرة على دعم وجود الكائنات الدقيقة. أجاب علماء مهمة كيريوسيتي عن السؤال بشكل قاطع عندما وجدوا أنّ فوهة غيل احتوت على نظام بحيرة ومجرى طويل العُمر ومُحتمل أنه كان صالحًا للحياة قبل مليارات السنين.

وجدت المركبة عُضويات بوقت قصير نسبيًا، من خلال آلة تحليل العيّنات في المريخ التابعة لها (SAM). وجدت الآلة في العينات هيدروكربونات مكلورة  chlorinated hydrocarbons، مثل: الكلوروبنزين والدايكلوروبوتان chlorobenzene and dichlorobutane ، وهذا من عينة مسحوق أُخذت عبر حفر في حجر في خليج يلونايف–Yellowknife Bay ، القريب من موقع هُبوط مركبة كريوسيتي.

أكد هذا الاكتشاف وجود عُضويات أصيلة مريخية. كان من الصعب معرفة قصتها الكاملة، وبالرغم من ذلك، وُجدت معلومة انتشار مركب فوق الكلور  perchlorates  في التربة الحمراء. على سبيل المثال، كيف من الممكن أن توجد هذه التجمعات من المركبات الكلورية في الصخرة التي دُرست، أو هل وُجدت بسبب عُضويات مريخية تفاعلت داخل آلة تحليل العيّنات –SAM ، والتي بدورها تقوم بتسخين العيّنات أيضًا؟

“كُنّا متحيرين قليلًا، لم نكن متأكدين ما هو معنى وجود هذه الجزيئات في معرفة إذا ما كانت الحياة على المريخ موجودة أم لا”، كما قال أيجينبرود، وتابع: “ولكنّ وجودها أعطانا الكثير من التوقعات حول وجود الحياة، إذا كنّا قادرين على العثور على هذه الجزيئات هُنا، من الممكن أن نجد العديد من الطبقات الصخرية التي تحتوي على المزيد من العضويات. وهذا بالتحديد ما حصل.”

تسلُّق الجبل

في يوليو 2013، غادرت مركبة كيريوسيتي منطقة خليج يلونايف وبدأت الاتجاه نحو جبل شارب Mount Sharp، والذي يبلغ ارتفاعه 5.5 كيلوميتر (3.4 ميل) ويرتفع من مركز فوهة غيل. وصلت كيريوسيتي ذات الست عجلات إلى قاعدة جبل شارب بعد 14 شهرًا، وبدأت بعدها بدراسة محيطه.

في الدراسة الحديثة، دققت أيجينبرود وزملائها النظر في نتائج آلة تحليل العيّنات  SAM للعينتين اللتين جُمعتا من حجار جبل شارب، وهي مساحيق جُمعت من مكانين (هضبة كونفيدنس وموهيف Confidence Hill and Mojave ) في سبتمبر 2014 وفبراير 2015 بالترتيب.

اعتبر الباحثون أنّ الغازات التي تبخرت على  درجة حرارة اعلى من 500 درجة سيلسيوس (930 درجة فهرنهايت) هي القادرة على إخراج تفاعل البيركلوريت خارج الخليط. وجدوا عدة عُضويات جديدة، بالإضافة إلى الجزيئات التي من الممكن أن تكون فُتات من تجمعات كربونية أكبر بكثير.

زادت الملاحظات الجديدة من مخزون عُضويات المريخ المعروفة، وكما قالت أيجينبرود:

“هذه المشاهدات أكثر ثباتًا مع ما نتوقع اذا ما كانت العضويات من حياة، أم من نيازك، أم من عمليات جيولوجية”.

كما أضافت أنّ قياسات SAM توضح أنّ نسبة الكربون في الصخور تساوي مئات الأجزاء لكل مليون.

كما قالت:

“عندما تصل إلى ذلك المستوى، نحن الآن نقترب من الوفرة من الكربون الذي وجدناه في صخور بنفس العمر هُنا على الأرض. إذًا فالتوقع هو: إذا كانت العمر الحيوي للأشياء على الأرض 3 مليار سنة، إذًا يوجد تناسق هُناك. لكن هذا لا يُخبرنا أي شيء على وجه الدقة، إنه فقط أمر شاذ”.

لغز الميثان

عُلماء أحياء الفضاء متحمسين لفهم توزيع الميثان في هواء المريخ، لأنّ الميثان قد يكون مؤشر حيوي. من الصعب استخدام الآلات المستخدمة للأرض، لأنه يوجد الكثير من الميثان في الغلاف الجوي لكوكبنا –نحو 1850 جزء لكل مليار– لتعقيد الأمور.

فقامت دراسة جديدة من ويبستر Webster قدّمت بعض النتائج الاستدلالية. قام ويبستر وزملاؤه برصد خط الأساس لتركيز الميثان لمدة تزيد عن 5 سنوات أرضية، كما قيست باستخدام آلة كيريوسيتي “آلة قياس طيف الليزر Tunable Laser Spectrometer (TLS)”. مستويات فوهة غيل هي تمثيل للكوكب الأحمر ككل، كما قال ويبستر، أي تُعطي كمية المزج الموجودة في هواء المريخ.

وجد الباحثون أنّ هذه التركيزات مهمة جدًا، تتراوح بين (0.24 –0.65) جزء لكل مليار. ويكون الاختلاف موسميًا، وتكون أعلى درجة قريبة من نهاية صيف الجزء الكروي الشمالي من المريخ.

هذه القواعد الموسمية تستبعد سقوط النيازك أو الغُبار كمصدر أساسي، كما قال ويبستر. بدلًا من ذلك، فكر ويبستر وفريقه بتسرّب الميثان من مخازن تحت أرضية المريخ وينتهي بها الأمر مقيّدة بالتربة عند وصولها إلى السطح. وخلال الطقس الأكثر دفئًا، يتحرر المزيد من الميثان وينطلق إلى الهواء.

يُدمَّر الميثان من خلال الضوء الفوق بنفسجي خلال عدد من مئات السنين من ظهور الغاز في الغلاف الجوي المريخي، إذاً فإنّ الأشياء التي كشفتها كيريوسيتي انبعثت مؤخرًا. ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنها تشكلت مؤخرًا، كما قال ويبستر.

وتابع ويبستر :

“من الممكن أن تحتوي هذه الخزانات على ميثان قديم، أو قديم جدًا، أو حديث، أو من الممكن أن يكون تشكل اليوم، لا يمكننا تمييز ذلك”.

لا يعرف الفريق مصدر الميثان، من الممكن أن يكون من الميكروبات، أو عمليات جيولوجية –بالتحديد، تفاعل الماء الساخن مع أنواع معينة من الصخور– هذه احتمالية أيضًا. وتتعامل الدراسة الحديثة مع المستويات الأساسية لميثان المريخ، لا تعرض أي فكرة مهمة عن ارتفاعات هذه الأشياء لمرة واحدة، مثل قياس الـ 7 أجزاء لكل مليار الذي لاحظته مركبة كيريوسيتي لمدة عدة أسابيع من نهاية 2013 إلى 2014.

الحصول على بعض الأجوبة

قد نفهم قضية الميثان على المريخ أكثر في المستقبل القريب. بدأ مسبار تتبع الغاز –التابع لبرنامج ExoMars الأوروبي– باستنشاق هواء الكوكب الأحمر من الأعلى، في جهود للوصول إلى تركيز الميثان والغازات الأخرى.

“السؤال الأكبر هو: هل سيرون أعمدة أو بُقع أو مسامير؟” قال ويبستر، وتابع: “سيكون أمرًا هامًّا، إذا استطاعوا إخبارنا عن وجود منطقة في المريخ حيث يبدو أنّ الميثان يأتي منها. والآن نستطيع توجيه مهمات المستقبل بهذا الاتجاه والهدف”.

على سبيل المثال، رحلة مركبة ExoMars، والتي جُدولت في 2020، من الممكن أن تُرسل لجمع عيّنة لتكون مصدرًا. قد تستطيع المركبة الحصول على قياسات لنظائر الكربون، والذي من الممكن أن يقودنا إلى تحديد ومعرفة مصدر الغاز. (يُستهلك الميثان المُنتج طبيعيًا هُنا على الأرض بنظير الكربون الثقيل-13 ). تستطيع كيريوسيتي نظريًا عمل مثل هذه القياسات، لكن أدوات وآلات مركبة ExoMars ستكون أكثر حساسيّةً من كيريوسيتي.

المهمات المستقبلية ستستفيد من دراسة أيجنبرود وفريقها، كما قال عالم في مشروع كيريوسيتي– أشوين فاسافادا.

“يُعطينا هذا فكرة مهمة حول كيفية حفظ الجزيئات العضوية مع مرور الوقت، وما هي الأنواع الأفضل حفظها”. حسب قول فاسافادا، وهو أحد مؤسسي دراسة الميثان الجديدة.

حسب نتائج كيريوسيتي فإن حشايا البحيرة تُشكّل جامع جيّد للعضويات، إذًا لن تكون البحيرة القديمة مكانًا سيئًا لإرسال مركبة باحثة مثل ExoMars، والتي تخطط وكالة ناسا لإرسالها في 2020.

“الذي يؤكده هذا، أنّه على الأقل، ستزداد ثقتنا بأنّه سيكون هُناك شيء لاكتشافه في المهمات المستقبلية”

يُؤكد فاسافادا في حديثه عن اكتشاف العضويات.

  • ترجمة: محمد يامين.
  • تدقيق لغوي: رأفت فياض.

بواسطة محمد يامين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خوارزمية الفرز (الترتيب) الفقاعي (Bubble Sort)

كتاب: تاريخ موجز للزمن