أجرى فيزيائيون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ومن أماكن أخرى المرحلةَ الأولى من تجربة جديدة؛ لاكتشاف هذه الجسيمات وجسيمات الأكسيون Axions وهي جسيمات افتراضية من المتوقع أن تكون إحدى أخف الجسيمات وزنًا في الكون. وفي حال وجودها ستكون غير مرئية تقريبًا.
ولكن لا مفر من وجودها؛ إذْ إنّها قد تكون مسؤولةً عن تشكيل ما يُقارب 85% من كتلة الكون، على شكل المادة المظلمة، ويُمكننا أن نعدَّ الأكسيونات جسيمات استثنائية؛ إذ إنَّه من المتوقع أن تغير قواعد الكهرباء والمغناطيسية التي نعرفها.
في ورقة بحثية نُشرت في مجلة Physical Review Letters، أفاد الفريق بقيادة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أنَّه في الشهر الأول من الملاحظات، أظهرت التجربة عدم وجود علامات على هذه الجسيمات ضمن نطاق الكتلة من 0.31 إلى 8.3 نانو إلكترونفولت Nano Electronvolt مما يعني أنَّ هذه الجسيمات التي تكون كتلتها داخل هذا النطاق الكتلي أي ما يعادل نحوَ خمسة ملايين كتلة البروتون، هي إما غير موجودة أو قد يكون لها تأثير أصغر في الكهرباء والمغناطيسية مما اعتُقد سابقًا.
يقول ليندلي وينسلو -الباحث الرئيسي في التجربة وأستاذ مساعد في الفيزياء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: “هذه هي المرة الأولى التي ينظر فيها أي شخص مباشرةً إلى هذه الجسيمات، نحن متحمسون لأننا نستطيع الآن القول أنَّ لدينا طريقة للنظر والبحث هنا، ونحن نعرف كيف نبحث على نحوٍ أفضل!”
في حين يُعتقد أنها موجودة في كل مكان، ويُتوقع أن تكون هذه الجسيمات شبيهة بالأشباح؛ إذ لها تفاعلات صغيرة جدًا مع أي شيء آخر في الكون. يقول وينسلو: “كمواد مظلمة، يجب ألا تؤثر هذه الجسيمات في حياتك اليومية، لكن يُعتقد أنَّها تؤثر في الأشياء على مستوى الكون، مثل تمدد الكون وتشكيل المجرات التي نراها في سماء الليل”.
ونظرًا لتفاعلها مع القوة الكهرومغناطيسية، فإنَّ هذه الجسيمات لها سلوك مفاجئ حول المغناطيسات؛ فمثلًا، هنالك نوع من النجوم النيوترونية التي تنتج حقلاً مغناطيسيًّا قويُّا للغاية. إذا كانت هذه الجسيمات موجودة؛ فيمكنها استغلال المجال المغناطيسي لتحويل نفسها إلى موجات راديو، والتي يمكن اكتشافها بواسطة التلسكوبات المخصصة على الأرض.
في عام 2016 ، وضع ثلاثة من منظري معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا تجربة فكرية لاكتشاف هذه الجسيمات، مستوحاة من المغناطيس. أُطلق على التجربة اسم ABRACADABRA، من أجل النهج عريض النطاق(الرنان) لاكتشاف المحور الفلكي الكوني مع جهاز حلقة B مضخم الذي صممه ثالر Thaler، وهو أستاذ مشارك في الفيزياء وباحث في مختبر العلوم النووية ومركز الفيزياء النظرية جنبًا إلى جنب مع بنيامين صفدي Benjamin Safdi، وزميلهم في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بابالاردو Pappalardo، وطالب الدراسات العليا السابق يونتان كان Yonatan Kahn.
هي تجربة صعبة؛ لأنَّ الإشارة المتوقعة أقل من 20 تيسلا، والمجال المغناطيسي للأرض هو 30 تيسلا، وهي قيمة متناهية الصغر، وموجات الدماغ البشرية هي 1 بيكو تيسلا.
في أثناء بناء التجربة، تعين على Winslow وزملائها مواجهة تحديين رئيسيين للتصميم: أولهما يتعلق بالثلاجة المستخدمة للحفاظ على التجربة بأكملها في درجات حرارة منخفضة جدًا.
تضمنت الثلاجة نظامًا من المضخات الميكانيكية التي يمكن أن يُولِّد نشاطها اهتزازات طفيفة للغاية يسبب اضطرابها، وقد يؤدي إلى إخفاء إشارة الجسيمات.
كان التحدي الثاني يتعلق بالضوضاء في البيئة، مثل المحطات الإذاعية القريبة والإلكترونيات في أنحاء المبنى جميعها وحتى المصابيح الصغيرة على أجهزة الكمبيوتر والإلكترونيات، والتي يمكن أن تولد جميعها مجالات مغناطيسية متنافسة ولا نستطيع بسبها تمييز الأكسيونات.
لقد حلَّ الفريق المشكلة الأولى من خلال تعليق الغشاء بأكمله باستخدام خيط رفيع مثل خيط تنظيف الأسنان، وحُلَّت المشكلة الثانية من خلال مزيج من التدريع فائق التوصيل والبارد، والدرع الدافئ محيطٌ بالتجربة من الخارج.
“يمكننا بعد ذلك أن نأخذ البيانات في النهاية، وكانت هناك منطقة واضحة كنا فيها فوق اهتزازات الثلاجة، وتحت الضوضاء البيئية التي ربما تأتي من جيراننا، إذ يمكننا أن نؤدي بالتجربة”.
أجرى الباحثون أولًا سلسلة من الاختبارات للتأكد من أنَّ التجربة تعمل وتُظهر المجالات المغناطيسية بدقة.
كان الاختبار الأكثر أهمية هو حقن مجال مغناطيسي لمحاكاة الأكسيون المزيف، ولوحظ أن كاشف التجربة أنتج الإشارة المتوقعة مما يشير إلى أنه إذا تفاعل جسيم أكسيون حقيقي مع التجربة سيكتشف. في هذه المراحل ، كانت التجربة جاهزة للتطبيق.
يقول وينسلو: “إذا أخذت البيانات وشغلتها عن طريق برنامج صوتي، يمكنك سماع الأصوات التي تصنعها الثلاجة، نرى أيضًا ضجيجًا آخر يحدث ويتوقف من شخص مجاور يفعل شيئًا ثم تختفي هذه الضوضاء. وعندما ننظر إلى هذه البقعة الواضحة، نفهم كيف يعمل الكاشف، ويصبح هادئًا بدرجة كافية لسماع جسيمات الاكسيون “.
في عام 2018، قام الفريق بأداء ABRACADABRA الأولى، من خلال أخذ العينات باستمرار بين يوليو وأغسطس.
وبعد تحليل البيانات من هذه الفترة، لم يعثروا على أي دليل على وجود اكسيون داخل نطاق الكتلة من 0.31 إلى 8.3 نانو إلكترونفولت ليُغير الكهرباء والمغناطيسية بأكثر من جزء في 10 مليارات.
صُممت التجربة للكشف عن أكسيون من كتلةٍ أصغر، وصولًا إلى ما يقارب1 فيمتو إلكترونفولت، وكذلك جسيمات أكسيون كبيرة بحجم 1 مايكرو إلكترونفولت.
سيستمر الفريق في تشغيل التجربة الحالية، والتي هي تجربة بحجم كرة السلة للبحث عن أكسيون أصغر وأضعف. وفي الوقت نفسه، فإن Winslow بصدد معرفة كيفية توسيع نطاق التجربة إلى حجم “السيارة المدمجة Compact Car” وهي أبعاد يمكن أن تتيح اكتشاف محاور أضعف.
يقول وينسلو: “هناك إمكانية حقيقية لاكتشاف كبير في المراحل التالية من التجربة، وما يحفزنا هو إمكانية رؤية شيء يمكن أن يغير العالم وقوانينه، إنها فيزياء بمكافأةٍ وخطورةٍ عاليَتَين”.
- ترجمة: إيمان يوسف.
- مراجعة: محمد يامين.
- تدقيق لغوي: سماء مرعي.