in

اكتشاف مركب جديد ترتبط فيه ذرة الكربون بـ 6 روابط

لابدَّ أنك -عزيزي القارئ- درست في أحد دروس مادة الكيمياء أنَّ ذرة الكربون لا تستطيع تكوين غير 4 روابط كحدٍ أقصى، حيث أنها لا تمتلك إلّا 4 إلكترونات قابلة للمشاركة مع الذرات الأخرى. لكن يبدو أنَّ هذه القاعدة – المألوفة جداً في أساسيات علم الكيمياء- لن تكون قابلةً للتطبيق بعد الآن؛ إذ إنه في دراسةٍ نُشرت حديثاً أكّد بعض العلماء على وجود مركب كربوني عجيب تستطيع فيه ذرة الكربون تكوين 6 روابط مع ذرات كربون أخرى.  

وإليك ما حدث:
في عام 1973، اقترح علماءٌ ألمان أنه يمكن نظرياً صنع مركب كربوني يحتوي على 6 روابط، وذلك باستخدام مركب سداسي ميثيل البنزين، حيث يتكوّن هذا المركب الهيدروكربوني عندما تتحد ذرات الكربون مع الهيدروجين على هذا النحو الذي تعرضه الصورة:

وكما نرى، تتكوّن هذه الحلقة المُسطّحة سداسية الشكل من 6 ذرات كربون رمادية اللون. وترتبط ذرات الكربون الستة بدورها بـ 6 “أذرع” كربونية إضافية والتي ترتبط هي الأخرى بذرات الهيدروجين بيضاء اللون.
وكما يظهر في الصورة، فإنَّ ذرات الكربون إما أن تقوم بتكوين رابطة مع ثلاث ذرات كربون أخرى، أو رابطة مع ذرة كربون واحدة وثلاث ذرات هيدروجين.

في الرابطة الطبيعية، يتم مشاركة إلكترونين فقط إلكترون واحد من كل ذرة. أمّا الإلكترونات المُتبقية والتي لم تُشارك في هذا المركب فإنها تبقى في منتصف الحلقة السداسية لتعمل على تقوية الروابط المتكوّنة، كما هو موضح بالخطوط المنقطة في الشكل التوضيحي بالأعلى.

بَيد أنه قد ظهر سؤالٌ غريبٌ في مخيّلة العلماء الألمان، وهو: ماذا سيحدث إذا فقد جزيء سداسي ميثيل البنزين زوجاً من الإلكترونات؟

قال العلماء إنَّ حدوث ذلك سيؤدي إلى إجبار الجزيء على التحوّل إلى نُسخةٍ أخرى من المركب الأصلي تكون أقلّ ثباتاً بكثير ومشحونةً بالشحنة الموجبة، وهذا سيؤدي بدورهِ إلى انهيار المركب وتحوّله للشكل الهرمي، كما هو موضح بالصورة في الأسفل:


في هذا الشكل الجديد، توجد 6 إلكترونات مُتاحة للقيام بالربط بين قمّة الهرم وبين الـ 5 ذرات كربون الموجودة بباقي الحلقة والذراع الخارجي.

قرّرَ فريقٌ من العلماء بقيادة الكيميائي اMoritz Malischewski  من جامعة برلين أن يجرّبو مؤخراً تصنيع جزيء سداسي ميثيل البنزين ليقوموا بالتأكُّد من تركيبه.

السبب وراء تأخُّر القيام بتلك الخطوة هي أنَّ هذا المركب يكونُ مُستقراً فقط عندما يتمُّ تحضيره في وجود حمض شديد القوة، ولذلك فعليك أن تكون على درايةٍ كبيرة بما تفعله في حال أردت العبث مع مركب سداسي ميثيل البنزين.
بمجرّد اتخّاذ المركب للشكل البلّوري، قام علماءُ الفريق بتعريضه لأشعة إكس وذلك للحصول على نموذج ثلاثي الأبعاد منه. وبذلك تكون تجربة أشعة إكس تأكيداً على ما اقترح العلماء حدوثه في عام 1970 عندما يفقد سداسي ميثيل البنزين زوجاً من الإلكترونات؛ وهو أنه يقوم بإعادة ترتيب نفسه.

وجد العلماء في النموذج ثلاثي الأبعاد أنّ زوجاً من الإلكترونات قد اندفع خارج المركب، وهو ما أدى إلى تغيير الأمور بشكلٍ كبير في الداخل. قفزت إحدى ذرات الكربون خارج الحلقة السداسية وقامت بأخذ موضعٍ جديدٍ في القمة، جاعلةً بذلك الحلقة السداسية المُسطحة شكلاً هرميّاً خماسياً.
وبهذا تكون ذرة الكربون الموجودة بقمّةِ الهرم مرتبطةً فعلاً بـ 6 ذرات كربون أخرى -خمسةٍ منها في الحلقة أسفل الذرة، وواحدةٍ أعلاها-.

ويعلّق Dean Tantillo الكيميائي بجامعة كاليفورنيا على الدراسة قائلاً:

“لا ترتبط ذرة الكربون بـ 6 روابط بالشكل الذي نعرفه عادةً على غرار الرابطة المتكوّنة بين ذرتي كربون والتي يتم فيها مشاركة إلكترونين لتكوين رابطة أحادية، وذلك لأنه يتم مشاركة عدد أقل من الإلكترونات بين الروابط الستة”.

وممّا يجب أخذه بعين الاعتبار أنه ليست كلُّ تلك الروابط الـ 6 متساويةً، حيث نجد في هذا المركب أنَّ هذه الروابط لا تكون على نفس الدرجة من القوة والاستقرار اللذين تتمتع بهما الأربعة روابط الأساسية والتي تشكّل الجزء الأكبر من المركب.

عندما قام Malischewski بقياس طول الروابط بالجزيء، وجد أنَّ كل رابطةٍ من روابط الكربون الستة كانت
أطول من الرابطة العادية بين أي ذرتيّ كربون. وكما هو معلوم فإنَّ طول الرابطة يؤثّر سلباً على قوتها، إذ تكون الروابط الطويلة عادةً أقل قوةً. وعلى هذا النحو، يؤدي ارتباط ذرة الكربون بعددٍ أكبر من الذرات إلى ارتباطاتٍ أقل قوةً من المُعتاد.

يقول Malischewski :

“يُعدّ هذا الجزيء -سداسي ميثيل البنزين- استثنائياً للغاية، فعلى الرغم من اكتشاف العلماء لحالاتٍ أخرى تشذُّ عن قاعدة ارتباط الكربون بـ 4 روابط فقط، إلا أنَّ هذه هي المرة الأولى التي وُجدت فيها ذرةُ الكربون مرتبطةً بهذا العدد الكبير من مثيلاتها من ذرات الكربون”.

نخلص مما سبق إلى أن تأكيد صحة هذه النظرية ذات الأربعين عاماً تعني أننا أصبحنا الآن على علمٍ بأنَّ الترابط في ذرة الكربون -وهي أحد أهم العناصر في علم الكيمياء بأكمله وخصوصاً الكيمياء العضوية- قد أصبح أكثر تعقيداً بكثيرٍ مما كنا نعتقد، وتوجد الآن احتماليةٌ أكبر لاكتشاف جزيئات أكثر غرابةً على هذا النحو.

والآن، انتبه عزيزي القارئ لأول قاعدةٍ في علم الكيمياء العضوية، وهي: ليست هناك قواعد ثابتة.

المصادر:
sciencealert

sciencenews

newscientist

يمكنك أيضاً الإطلاع على الورقة البحثية هنا: onlinelibrary

 

  • ترجمة: سارة تركي.
  • مراجعة: طه ياسين بن إبراهيم.
  • تدقيق لغوي: سارة المحسن .

بواسطة سارة تركي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تقنية جديدة و مبتكرة لعلاج الأورام

مستقبل التطور البشري