أثبت الباحثون مؤخرًا أنّ المركبات الفضائية يمكنها استخدام حُزَم محددة من إشعاع النجوم النابضة؛ لتشغيل نظام ملاحي دقيق للغاية وشبيه بنظام تحديد المواقع العالمي (GPS).

رُغم أنّه من الممكن للبعثات الفضائية نقل البيانات مع الأرض، إلا أنّ العملية ليست سريعة، على سبيل المثال تستغرق فويجر 1″ Voyager 1 ” نحو 19 ساعة لإرسال إشارة إلى الأرض، ويزداد هذا التأخير تباعًا مع تباعد المركبة الفضائية عن الأرض، لكن بالنسبة لرحلات الفضاء طويلة الأمد في الفضاء السحيق، فإنّ الوقت المقدر لإرسال البيانات كبير نسبيًا لن يكون جيدًا بما فيه الكفاية؛ لذلك ستحتاج المركبات إلى ضبط مسارها الخاص دون الاعتماد على الملاحة الأرضية، وهنا يأتي دور بطلنا الجديد النجوم النابضة.
في وقتٍ مضى أوضحت مجموعة من مهندسي ناسا أنّ الملاحة الفضائية الذاتية بالكامل ممكنة من خلال استخدام الأشعة السينية، واكتشاف كهذا قد يؤدي إلى إصلاح نهجنا في السفر إلى الفضاء السحيق، وقد اختُبر نظام التوجيه بالأشعة السينية بنجاح أثناء تجربة مستكشف المحطة لمعرفة توقيت الأشعة السينية وتكنولوجيا الملاحة ((Station Explorer for X-ray Timing and Navigation Technology (SEXTANT) باستخدام النجوم النابضة التي انقضت حتى ميلّي ثانية واحدة، واعتمدت مركبة الاختبار على الأشعة السينية لتحديد موقع جسم فضائي يتحرك بسرعة آلاف الأميال في الساعة.
وقال جيسون ميتشل (Jason Mitchell)، خبير تكنولوجيا الطيران والفضاء في مركز جودارد لرحلات الفضاء التابع لناسا (NASA’s Goddard Space Flight Center) ومدير مشروع SEXTANT في بيان صحفي:
“هذا الإثبات هو إنجاز لأجل استكشاف الفضاء السحيق في المستقبل، بصفتنا أول من أظهر الملاحة بالأشعة السينية بشكل مستقل بالكامل وفي الوقت الآني في الفضاء، فإننا ننير الدرب الآن.”
رُغمّ أنّ النظام العالمي لتحديد المواقع (GPS) يمكنه تتبع الأجسام الموجودة على الأرض أو في مدار منخفض حول الأرض، إلا أنّ نظام تحديد المواقع العالمي GPS ليس خيارًا للمركبة الفضائية التي تسير لمسافات طويلة؛ لأنّ شبكة القمر الصناعي الخاصة به (satellite network) التي تدور حول الأرض تفقد الإشارة بسرعة مجرد انتقال المركبة بعيدًا عن الأرض، لذلك من أجل تتبع مركبات الفضاء السحيق بشكل مستقل، احتاج الباحثون إلى العثور على إشارة قوية قادرة على الانتشار للعديد من السنوات الضوئية؛ لهذا التفت الباحثون إلى النجوم النابضة- النوى الدوارة بسرعة لنجوم النيوترون- لأنّها متوفرة فعليًا في كل مكان (خاصة في الفضاء السحيق)، وتنبعث منها إشارات قوية من الأشعة السينية.
لاختبار دقة وسهولة الملاحة بالأشعة السينية في الفضاء، تعاونت تجربة SEXTANT الممولة من مديرية مهمة تكنولوجيا الفضاء التابعة لناسا (NASA’s Space Technology Mission Directorate) مع مستكشف التركيب الداخلي للنجوم النيوترونية (Neutron-star) في نجوم ناسا (NASA’s Neutron-star Interior Composition Explorer)(NICER)، وهو حمولة خارجية ملحقة على محطة الفضاء الدولية (ISS).
وأضاف الباحث الرئيس في NICER كيث جيندرو (Keith Gendreau) من جودارد:
“إننا نقوم بعلم رائع ونستخدم المحطة الفضائية كمنصة لتنفيذ ذلك العلم، وهو ما يتيح بدوره الملاحة بالأشعة السينية، هذه التكنولوجيا ستساعد البشرية على التنقل واستكشاف المجرة.”

لقد درس NICER جوانب مختلفة من نجوم النيوترون منذ نشره على محطة الفضاء الدولية في يونيو 2017، وهو يستخدم حاليًا 52 من أجهزة التلسكوب بالأشعة السينية وكاشفات الصدوع السيليكونية لدراسة الإشعاعات التي تنبعث من النجوم النابضة في الطيف الكهرومغناطيسي، يأتي إشعاع النجم النابض إلينا كحزمٍ ضيقة من الضوء تومض عندما تتجاوزنا بسرعة، على غرار وميض الضوء المنبعث من المنارة. نبضاتهم قابلة للتنبؤ بطبيعتها أيضًا، مما يمكّنهم من العمل كعوامل توقيت دقيقة للغاية، قابلة للمقارنة بإشارات الساعة الذرية لنظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، في الواقع يمكن التنبؤ بها بشكل جيد بحيث يمكن التنبؤ بأوقات وصول نبضات النجوم النابضة بالميللي ثانية لسنوات نحو المستقبل، مع دقة التوقيت بمستوى الميكروثانية (10-6 )ثانية.
في أثناء تجربة SEXTANT اختار الباحثون أربعة أهداف من النجوم النابضة المشعة للغاية في الميلي ثانية ووضعوا NICER بطريقة يتمكنوا بها من اكتشاف الأشعة السينية ضمن حزم الضوء الضيقة للأهداف، للحصول على بيانات التوقيت جمع نايسر 78 قياس على مدار يومين، ثم أُدخلت في خوارزميات SEXTANT الموجودة على المتن، مما أدى إلى إيجاد حل ملاحي كشف عن الموقع المداري لـ NICER، ثُم قورن الحل مع موقع NICER المستخلص من متن GPS.
رغم أنّ NICER يسافر على متن المحطة الفضائية الدولية بسرعة تزيد عن 17500 ميل في الساعة (28164 كيلومترًا في الساعة) بالنسبة إلى الأرض، إلا أنّ الدراسة تهدف إلى تحديد موقع NICER على بُعد دائرة نصف قطرها 10 أميال (16 كيلومترًا)، خُصِّص الفريق لمدة أسبوعين لتحديد موقع المركبة بدقة عالية، لكنه تمكَّن من اكتشاف موقعه داخل نصف القطر المحدد بعد ثماني ساعات فقط، وحُسِّنت دقة الموقع من هناك إلى الخارج، مع وجود جزء ذي دلالة من بيانات الجزء المتبقي من التجربة ضمن ثلاثة أميال من الموقع الحقيقي للمركبة، رُغم أن ثلاثة أميال قد لا تبدو دقيقة، إلا أنّها كافية للسفر في الفضاء السحيق بسبب المسافة الشاسعة بين الأجسام التي عادة ما تكون متباعدة بملايين الأميال عن بعضها البعض.
عندما أثبت الباحثون أنّ التنقل بالأشعة السينية أمر ممكن، قام الفريق بتحديث البرنامج وتحسينه لتجربة إضافية في وقتٍ سابق من عام 2018، وعملوا أيضًا على تصغير حجم الأدوات وتقليل متطلبات الطاقة وتحسين الحساسية، والهدف من ذلك هو إتاحة تكنولوجيا الملاحة بالأشعة السينية بسهولة وجهوزية لجميع البعثات الفضائية التي يمكن أنْ تستفيد من الملاحة الذاتية دون الاتصال الأرضي.
وقال ميتشل:
“إنّ هذا البرهان الناجح يثبت بقوة قابلية الملاحة النابضة للأشعة السينية باعتبارها قدرة جديدة على الملاحة الذاتية، لقد أظهرنا أنّ وجود نسخة جاهزة من هذه التكنولوجيا يمكن أنْ تعزز استكشاف الفضاء السحيق في أي مكان داخل النظام الشمسي وما وراءه، إنّها تقنية رائعة أولاً.”
- ترجمة: أحمد المحلاوي.
- مراجعة: رولان جعفر.
- تدقيق لغوي: عبود أكرم.