إنَّ للصادات الحيوية فوائد هائلة، قد تكون منقذة للحياة في كثير من الحالات، ولكن لها مضار أيضًا؛ خاصةً إذا أُعطيت للأطفال في عمر مبكر؛ إذْ تزيد خطرَ حدوث البدانة عندهم، بحسب ما أظهرته دراسة سابقة.
ويمكن أن نلخِّص عمل الصادات؛ بأنه قتْل الجراثيم عمومًا، وهذا مفيد جدًا عندما تُسبِّب هذه الجراثيم أمراضًا شديدة للإنسان، ولكن لا تستطيع هذه الصادات التمييز بين الجراثيم التي تُسبِّب أخماجًا خطيرة للإنسان، وبين تلك المتعايشة في جسمه؛ فتقتلها كلها، وهذا سيئ جدًا.
إن أجسادنا مملوءة بالجراثيم المهمة؛ التي تُشكِّل جزءًا من الفلورا الطبيعية في الجسم. وتؤدي هذه الفلورا المكوَّنة من الجراثيم مع عدد آخر من العضيات الدقيقة دورًا مهمًّا في هضْم الطعام، والنمو الطبيعيّ، وجهاز المناعة.
وعندما نأخذ الصادات الحيوية، فإنَّنا نقتل جزءًا من هذه الفلورا من دون قصد. وللوهلة الأولى، لا يبدو هذا خطيرًا، ولكن يبدو أنَّ الفلورا التي نكتسبها في حياتنا ونحن أطفالٌ رُضَّع، لها تأثيرات طويلة الأمد ومهمَّة جدًا.
أظهرت الدراسات أنَّ الأطفال المولودين بعملية قيصرية مؤهَّبين للبدانة بنسبة أكبر من الذين يولدون بالطريق الطبيعي الأقرب للجراثيم.
وقد راقب الباحثون في الدراسة 300000 طفلًا؛ ولدوا في النظام الصحيّ العسكريّ، وراقبوا أيضًا فيما إذا تناول هؤلاء الأطفال الصادات الحيوية أو مضادات حموضة المعدة؛ لأنَّها تؤثِّر بدورها على الفلورا الجرثومية الطبيعية عن طريق الآتي: إنَّ حموضة المعدة تمنع غزو جراثيم الفم والأنف للأمعاء؛ لذا فعندما نوقف حموضة المعدة نعطي جراثيم الفم والأنف فرصة لتقتل جراثيم الأمعاء المفيدة.
وكانت النتيجة أنَّ الأطفال الذين تناولوا الصادات الحيوية مؤهبون للسمنة بنسبة 26 % أكثر من غيرهم، وكذلك الأمر لمن تناول مضادات حموضة المعدة، ولكن بنسبة أقل. أما تناول كلا الدوائين، فيزيد الخطر بنسبة أكبر. وهذا ما يستخدمه العديد من المزارعين؛ إذ يتقصَّدون إعطاء الصادات الحيوية للحيوانات؛ بهدف زيادة وزنها؛ والذي ينتج عنه مردود اقتصاديّ أفضل.
وهذا جيد من وجهة نظر المزارع، ولكنه سيئ جدًا فيما يخصُّ موضوع مقاومة الجراثيم للصادات طبعًا.
ولا يقتصر تأثير قتْل الفلورا الجرثومية بالصادات ومضادات الحموضة ولا سيّما في عمرٍ مبكّرٍ على البدانة فحسب؛ بل يمتدُّ ليزيدَ خطر الأمراض التحسسية؛ منها الربو، والأهبة لحساسيات الأطعمة؛ لذلك يجب التزام الحذر الشديد في التعامل مع الصادات، ولا سيما في عمر مبكر.
ونقول من جديد: إنَّ الصادات في الوقت المناسب مُنقذة للحياة بكل ما تعني الكلمة، ولكن تُوصف هذه الأدوية كثيرًا لأسباب فيروسية؛ إذ لا يكون لها أيُّ دور في العلاج والتعافي من المرض؛ بل تؤثِّر سلبًا في العديد من النواحي فحسب؛ كما في حالات الزكام؛ التي يكون سببها فيروسيّ دومًا، وبعض حالات التهاب الأذن الوسطى، أو نستخدم صادات أقوى من المطلوب؛ وهذا ذو تأثير سلبيّ أيضًا على نحو ما أوضحنا أعلاه.
وبما أنَّ الطبيب هو من يكتب الوصفة، فالمسؤولية الكبرى في ترشيد استخدام الصادات تقع عليه من دون شك، ولكن يؤدي الأهل المدركون لهذه المعضلة دورًا مهمًّا؛ وذلك عن طريق سؤال الطبيب عن ضرورة أخْذ هذه الأدوية. وفي حال كانت ضرورية، يسألون عندها عن أقصر شوط علاجيّ ممكن.
ونحن اليوم نشهد البدانة وباءً منتشرًا ذي اختلاطات شديدة على صحتنا وصحة أطفالنا، ويجب محاربتها بكلِّ الوسائل الممكنة.
- ترجمة: فريز ابراهيم.
- مراجعة: نديم الظاهر.
- تدقيق لغوي: غنوة عميش.