in

مرض الشّلل الرّعاشيّ (الباركنسونيّة) قد يكون بسبب البكتيريا التّكافليّة في أمعائنا!

مرض الشّلل الرّعاشيّ Parkinson’s disease، أو ما يُعرَف بالباركنسونيّة، هو مرضٌ تنكسيٌّ عصبيٌّ Neurodegenerative disease ينشأ عن خللٍ في العصبونات الدّوبامينيّة Dopaminergic neurons، ينتج عنه حركةٌ رعاشيّةٌ، تُعَدُّ أحد أهمّ وأشهر أعراضه.

ويُعزَى دمار تلك العصبونات إلى تراكم بروتينٍ يُدعَى “ألفا-سينيوكلين” Alpha-synuclien، ممّا يؤدّي إلى إخلال انتقال السّيّال العصبيّ فيها، وبالتّالي فرط التّحفيز الحركيّ للعضلات، ممّا ينتج الحركة الرّعاشيّة.
لعقودٍ طويلةٍ، ركّز العلماء والباحثون على الاختلافات الجينيّة لهذا البروتين كعاملٍ وراثيّ، وعلى آفات وأمراض الدّماغ كعاملٍ بيئيّ مساندٍ، إلّا أنّ إحدى الدّراسات جاءت بنتائج صادمةٍ، ألا وهي أنّ هذا المرض قد ينشأ أساساً من جهازك الهضميّ!

قصّة البحث:

لاحظ بعض الباحثين أنّ العديد من مرضى الشّلل الرّعاشيّ قد عانوا من الإمساك ومشاكل أخرى في الجهاز الهضميّ لفتراتٍ طويلةٍ، وقبل ظهور أعراض المرض الأساسيّ “الرّعاش” بما يقارب الـ 10 سنواتٍ. نتيجةٌ مبهمةٌ كهذه قد لا تكون إلّا صدفةً، إلّا أنّ الغموض الّذي يحيط بسبب وآليّة حدوث هذه الأمراض، دفع العلماء إلى البحث في هذا المجال، علّه يكون مفتاح فهمنا لمسبّبات هذا المرض.
قام الباحثون بعد ذلك بتنمية فصيلةٍ معدّلةٍ جينيّاً من الفئران، تحمل البروتين ألفا-سينيوكلين “السّيّء” في حمضها النّوويّ، وتمّ عزلها إلى مجموعتين، حيث تمّ وضع المجموعة الأولى في أقفاصٍ معَقّمةٍ تضمن عدم وصول أيّ بكتيريا إليها، أمّا المجموعة الأخرى فوُضِعَت بأقفاص فئرانٍ عاديّةٍ.
أظهرت هذه التّجارب نتائج صادمةً، إذ أنّ الفئران الّتي نمت في البيئة المعقّمة، أظهرت أعراضاً تنكّسيّةً عصبيّةً أقلّ من نظيراتها الّتي تحمل نفس الطّفرة، بل وكانت كمّيّات الـ “الألفا-سينوكلين” المتراكمة في عصبوناتها أقلّ من المتوقع، وأظهرت نتائج طبيعيّة في اختبارات الحركة.
وعندما تمّ حقن تلك الفئران ببكتيريا مأخوذةٍ من أمعاء أشخاصٍ مصابين بالشّلل الرّعاشيّ، بدأت حالتها بالانتكاس، وأظهرت أعراض الشّلل الرّعاشيّ. تلك الأعراض لم تظهر بتلك الحدّة عندما تمّ حقن الفئران بالبكتيريا المأخوذة من أمعاء أشخاصٍ غير مصابين بالشّلل الرّعاشيّ.
أمّا المجموعة الأخرى من الفئران، والّتي عاشت في أقفاصٍ غير معقّمةٍ، أظهرت تدهوراً حادّاً في حالتها وتسارعاً في ظهور الأعراض، وعندما تمّت معالجتها بالمضادّات الحيويّة الّتي تقتل بعضاً من البكتيريا، بدأت حالتها تتحسّن نسبيّاً.
على ضوء هذه النّتائج، تمّ وضع نظريةٍ مفادها أنّ بعض أنواع البكتيريا التّكافليّة Normal flora في أمعائنا قد يكون لها دورٌ في تراكم الـ “الفا-سينيوكلين” بشكلٍ أكثر من الطّبيعيّ، ممثّلةً الجانب البيئيّ لهذا المرض.

بصيص أملٍ لمرضى الشّلل الرّعاشيّ:

على الرّغم من أنّنا لا نستطيع الاعتماد على فئران التّجارب كنموذجٍ يصف كلّ أمراض البشر ــ فنحن لسنا مجرّد فئرانٍ عملاقةٍ! فجسدنا وأجهزتنا صُمِّمَت لتعيش وتعمل لفتراتٍ أطول وبيئاتٍ مختلفةٍ عن نظيراتها لدى الفئران ــ إلّا أنّ نتائج كهذه قد تفتح لنا الباب لمعرفة آليّة تطوّر هذا المرض، والظّروف المرافقة لتكوّنه.
يعتقد “ساركيس مازمانين” ــ أحد الباحثين في هذا المجال ــ أنّ تلك البكتيريا، تقوم بطريقةٍ أو بأخرى بإفراز موادّ كيميائيّةٍ قد تزيد من نشاط جهازنا العصبيّ، وبالتّالي تراكم بعض البروتينات ودمار بعض مكوّناته.
العقبة التّالية أمامنا هي البحث في الخليط الكبير من البكتيريا والميكروبات في أمعائنا، لمعرفة أيٍّ منها يسبّب تلك الأعراض بالتّحديد، فإن قمنا بتحديد فصيلة تلك البكتيريا ونوعها، قد نتمكّن في المستقبل من القيام بفحوصاتٍ وقائيّةٍ للشّلل الرّعاشيّ، بل وإنتاج لقاحاتٍ ومستحضراتٍ وقائيّة له، ولم لا، علاجه عن طريق المضادّات الحيويّة!

المصادر:  futurismcell.com

Elsevier: Robbins Basic Pathology, 9th Edition: Kumar, Abbas & Aster, Chapter 22

  • إعداد: محمد قصي الصباغ.
  • مراجعة: مناف جاسم.

بواسطة الفضائيون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

كيف يمكننا التنبؤ بموجة الإنفلونزا القادمة؟

كيف تميز العلم الحقيقي من الزائف؟