هل تساءَلت يومًا عن سبب تجاهلك خطواتك أثناء المشي، على الرغم من سماعك خطوات الآخرين؟ يجيبنا على هذا التساؤل بحثٌ نُشِرَ في مجلة Nature. إذْ كشفَ فريقٌ من العلماء عن الوظائف العصبية؛ التي استخدمتْها الفئران لتتجاهل أصوات خطواتها. وهو اكتشافٌ يقدِّم رؤىً جديدة عن كيفية تعلُّمنا التحدُّث وعزْف الموسيقا .
يقول ديفيد شنايدر David Schneider؛ الأستاذ المساعد في مركز العلوم العصبية في جامعة نيويورك New York University’s Center for Neural Science، وواحد من الكتّاب الرئيسيين للبحث : “إنَّ القدرة على تجاهل خُطى المرء يتطلَّب من الدماغ تخزينَ الذكريات، ومن ثمَّ تذكُّرها، وإجراء عدد من الحسابات عاليةِ المستوى. هذه هي اللَّبنات الأساسية لسلوكيَّات توليد الأصوات الأخرى الأكثر تعقيدًا؛ مثل التعرُّف على الأصوات التي تؤدِّيها عند تعلُّم كيفيَّة التحدث أو العزف على آلة موسيقية”.
ركَّز البحث، الذي أُجريَ في كلية الطب بجامعة ديوك، على حقيقة أنَّنا نكون عادةً غير مُدركين لصوت خُطانا على أنَّه وسيلة لفهْم ظواهر عصبية أكبر؛ مثل: كيف يكشف هذا السلوك عن القدرة على التعرُّف، ومراقبة، وتذكُّر صوتِ حركاتنا الخاصة مقارنةً بأصوات البيئة المحيطة بنا.
يشرح شنايدر قائلًا : “إنَّ القدرة على توقُّع أصواتِ حركاتنا، وتمييزها عن الأصوات البيئية، هي قدرة يمتلكُها كلُّ من له وظيفة سَمَع عادية. لكن كيف يُمكن للدماغ أن يتنبَّأ بها، فذلك أمرٌ لا يزال غير معروف إلى حدٍّ كبير”.
ولاستكشاف هذا، صمَّم شنايدر وزملاؤه، جاناني سونداراراجان وريتشارد موني من كلية الطب في ديوك نظامًا صوتيًا مبنيًّا على الواقع الافتراضيّ، خاصًّا بالفئران. وهنا، تحكَّم العلماءُ بالأصوات التي أصدرتْها الفئرانُ وهي تمشي على حلقة دوَّارة، وفي الوقت نفسه راقبوا نشاطَها العصبيّ، ممَّا أتاح لهم التعرُّف إلى آلياتِ الدائرة العصبية؛ التي تُلغي أصوات حركة الفئران.
لقد وجدوا مرونةً في الوظائف العصبية عمومًا، إذ طوَّرت الفئران “فلتر-مرشح- حسيّ” قابلًا للتعديل، سمح لها بتجاهل أصوات خطواتها. وسمح لها ذلك في المقابل بالكشف عن الأصوات الأخرى الصادرة من بيئتها كشفًا أفضل.
يقول شنايدر “إنَّ هذا مهم حقًا، فيما يخص الفئران”. “إنَّها حيوانات معرَّضة للافتراس، لذا فهي في الحقيقة بحاجةٍ لأن تكون قادرة على الاستماع إلى قطّةٍ تتسلَّل إليها، حتى عندما تسير -أيْ الفئران- وتُحدِث ضوضاء“.
من المحتمل أن تكون القدرةُ على تجاهلِ أصوات تحرُّكاتِ المرء مهمَّة للإنسان أيضًا، لكنَّ القدرةَ على توقُّع أصواتِ أفعالنا مهمَّةٌ للسلوكات البشرية الأكثر تعقيدًا أيضًا؛ مثل التحدُّث أو عزْف الموسيقى.
“عندما نتعلَّم أن نتكلَّم أو أن نعزف الموسيقى، فإنَّنا نتوقَّع الأصوات التي سنسمعها؛ مثلما يحدث عندما نستعدُّ لضرْب مفاتيح البيانو، ونقارن ذلك بما نسمعُه بالفعل”، ويضيف شنايدر “نستخدم عدمَ التطابق بين التوقُّعات والخبرات لتغيير طريقة عزْفنا، ونحن نتحسَّن بمرور الوقت؛ لأنَّ دماغنا يحاول التقليل من هذه الأخطاء “.
ويُعتقد أيضًا أنَّ كوننا غير قادرين على إجراء مثل هذه التنبؤات قد يُسبِّب مشاكل عدَّة.
يشرح شنايدر ذلك قائلًا : “يُعتقد أنَّ دارات التنبؤ النَّشط في الدماغ تؤدِّي إلى الهلوسة الشبيهة بالصوت المرتبطة بالفصام، في حين أنَّ عدم القدرة على معرفة عواقب أفعالنا الخاصَّة يُمكن أن يؤدِّي إلى شلل اجتماعي مُستنفذ كما هو الحال في التوحُّد”.
“فعن طريق معرفة كيفية خلْق الدماغ عادةً لتنبؤات عن الأصوات المولَّدة ذاتيًا، فإنَّنا نفتح الفرصة لفهْم قدرةٍ مذهلةٍ -التنبؤ بالمستقبل -، وتعميق فهمنا لكيفيَّة اختلالِ وظائف الدماغ أثناء المرض “.
المصدر: sciencedaily
- ترجمة: نادية حميدي.
- مراجعة: محمد علي.
- تدقيق لغوي: غنوة عميش.