هل للأخرين تأثير علينا؟ في الواقع، يبدو أن للآخرين تأثير كبير على قراراتنا ومشاعرنا وسلوكنا…! رُبما تتساءل كيف ذلك؟
افترض أنك قد أضعت هاتفك الخلوي وأنت الآن وحيد في الشارع أو المتجر أو أي مكان عام وكنت بحاجة لاستخدام الهاتف وشرعت تسأل الأشخاص المتواجدين حولك استخدامَ هاتفهم، ربما تظن أن أحدًا من هؤلاء الغرباء لن يرضى إعارتك هاتفه.
لكن؛ وعلى نحوٍ مفاجئ ليس هذا ما سيحصل؛ ففي الغالب ستكون الإجابة “نعم”؛ إذ إنه في تجربة لإثبات هذه الفرضية ظنّ المشاركون أن عليهم أن يسألوا عشر أشخاص حتى يجدوا ثلاثة يرضون إعارتهم هواتفهم، أما في الواقع فأنت تحتاج إلى سؤال ستة أشخاص فقط؛ إذ إن شخصًا من كل اثنين يرضى أن يعيرك هاتفه.
وفي تجربة أخرى، عرض الباحثون صورةَ مكتبة على مجموعة من الأشخاص، وطلبوا منهم التوجه إلى المكتبة مباشرةً بعد إجراء التجربة. وجدوا أن هؤلاء الأشخاص بدأوا التحدث بصوت ناعم ومنخفض مباشرةً من غير أن يدركوا السبب، وعندما مهَّد الباحثون المُشاركين في التجربة ليكونوا فوضويين أصبحوا يقاطعون حديث مَن يتكلم إليهم، وعندما مُهِدوا ليكونوا مؤدبين لم يفعلوا ذلك.
ربما تكون مثل هذه الأمور (مثل: إعطاء الهاتف أو كون الشخص مؤدبًا أو فوضويًا) أمورًا بسيطة لا ينتج عنها شيء خطير، لكن هل تتأثر بالآخرين وتطيعهم حتى لو تطلب منك الأمر أن تتسبب بالألم لأشخاصٍ آخرين بل وحتى وضع حياتهم في خطر؟
هذا ما توضحه لنا تجربة عالم النفس الإجتماعي ستانلي ملغرام؛ إذ حصل ملغرام على مشاركين في تجربته عن طريق إعلان نشره في صحيفة، ينص على أنهم بحاجة لمشاركين ذكور من أجل دراسة عن التعلم في جامعة ييل. حيث أخذ المشاركون دور المعلم في هذه التجربة وأخذ مساعد ملغرام (الذي تظاهر أنه أحد المشاركين المتطوعين) دور المُتعلِّم. ووُضِع المتعلم (مساعد ملغرام) الذي ثُبِّتَت أقطاب كهربائية على يديه (بصورة كاذبة) في غرفة، ووُضع المعلم (المشاركون الحقيقيون) والمشرف في غرفة أخرى تحوي مولدًا كهربائيًا يتدرج من 15 فولت (صعقة خفيفة) حتى 450 فولت (صعقة قوية خطيرة).
كان على المُتعلم حفظ مجموعة من الكلمات وطُلِب من المعلم أن يصعق المُتعلم في كل مرة يخطئ بها وأن يرفع الفولتية في كل مرة. كان المُتعلم يعطي في الغالب إجابات خاطئة، لِيصعقه المعلم في كل مرة يخطئ الإجابة. و كان المتعلم يتظاهر بالألم حين كل صعقة.
وإذا أبدى المشارك في أي مرحلة من مراحل الاختبار رغبته في التوقف، كان المشرف يوجه إليه 4 سلاسل متتابعة من التنبيهات، وفق التسلسل التالي:
1 ـ الرجاء الاستمرار.
2 ـ يتطلب الاختبار منك أن تستمر.
3 ـ من الضروري أن تستمر.
4 ـ ليس لديك خيار، يجب عليك الاستمرار.
النتيجة كانت كالآتي: استمر 65% من المشاركين حتى الـ 450 فولت، في حين استمر جميع المشاركين حتى الـ 300 فولت.
ما نخلُص إليه في هذه التجربة أن الأشخاص الاعتياديين يتبعون أوامر الآخرين حتى لو عنى ذلك وضع حياة أشخاص أبرياء في خطر.
ما هو تأثير المجموعة أو المجتمع على الفرد؟
هناك العديد من الطرائق التي يؤثر بها الأخرين فينا، ربما أكثرها أهمية هي فكرة أن نطابق توقعاتهم. أحد الطرائق التي تجعل هذه التوقعات واضحة هي معرفة القوانين التي يضعونها في المجتمع.
يُعرف المعيار الاجتماعي أنه مجموعة القواعد غير المكتوبة حول كيفية التصرف، وتوضع من قبل مجموعة من الأشخاص (قد يكونون الأسرة أو الأصدقاء وصولًا إلى المجتمع ككُل)، أما السلوك الذي يتبع هذه القواعد يُعرف بالإمتثال.
في تجربة أجراها عالم النفس والفيلسوف سولومون آش- Solomon Asch، والتي شارك بها 50 ذكرًا، تظهر لنا تأثر الفرد بالآخرين .
فقد وضع سولومون مشاركًا حقيقيًا واحدًا في غرفة مع 7 أشخاص شركاء لسولومون، مع عدم إخبار المشارك كذلك. كان الاختبار عبارة عن ثلاثة خطوط ويُطلب من المشاركين أن يختاروا الخط المطابق (كما هو في الصورة أدناه)، وقد اتفق سولومون مسبقًا مع شركائه على أن تكون إجاباتهم خاطئة.

كان هناك 18 محاولة وقد أعطى شركاء سولومون إجابات خاطئة في 12 محاولة من أصل 18 محاولة.
أعطى 32% من المشاركين إجابات خاطئة على الرغم من وضوح الأمر. وامتثل 75% من المشاركين للإجابات الخاطئة على الأقل مرة واحدة من أصل الـ 12 محاولة. في حين أن 25% لم يمتثلوا أبدًا. وعند سؤال الأشخاص بمفردهم من غير وجود المُساعدين فإن أقل من 1% من المتسابقين أعطوا إجابة خاطئة.
لكن؛ ما السبب وراء ذلك؟ ما السبب الذي يجعلنا نختار ما يخالف إجابتنا وتفكيرنا وسلوكنا فقط لأن الآخرين اختاروا شيئًا مُختلفًا عن الذي اخترناه؟
هناك قاعدة نتبعها وهي: لكي نعرف ما هو الصحيح، يجب أن نرى ما يفعله الآخرون. أحد الأسباب ربما أننا نعيش في عالم مُعقد ولا يوجد مُتسع من الوقت للتفكير في أمور حياتنا المُعقدة. لذا؛ فإن اتّباع الآخرين سيسهل علينا الأمر كثيرًا.
أيضاً، نحن البشر كائنات اجتماعية، نجونا عن طريق قدرتنا على العمل كفريق واحد. لقد تطورنا ككائنات اجتماعية تكره العزلة، نريد دومًا الإنتماء إلى مجموعة ما وهذا ما يُعرف بالتأثير الاجتماعي المعياري وهي فكرة أننا نمتثل لقواعد المجموعة لإشباع حاجاتنا في أن نكون محبوبين و حاجتنا للإنتماء.
هل هذا يعني أننا محكومون من قبل الآخرين؟
بالطبع لا؛ فهناك 35% من المشاركين في تجربة ملغرام لم يكملوا التجربة، و25% في تجربة سولومون لم يختاروا إجابة خاطئة أبدًا… أنت فقط تحتاج إلى التفكير في سلوكك وقراراتك بموضوعية وإلى تجريد نفسك من سلوك القطيع.
المصادر:
- research.cornell.edu
- eurekalert.org
- khanacademy
- simplypsychology
- simplypsychology
- simplypsychology
- psychologytoday
- إعداد: مريم إسماعيل.
- مراجعة: محمد علي.
- تدقيق لغوي: نور عبدو.
ويمكن ان نضيف ايضا اننا ولدنا على الخوف من الاختلاف فاننا كمجتمع شرقي نرفض فكرة ان يكون بيننا انسان شاذ طبعا اقصد بفكره او حتى اختلاف رأيه عن البقية فتقاليدنا شكلت قيود لتفكيرنا و جعلت من يريد التغيير ولو بحركات بسيطة يحكم عليه بالاعدام
ويمكن ان نضيف ان لدينا خوف من ان نظهر مختلفين فاننا ولدنا على ان نكون موحدين و المختلف هو الخاطئ فكوننا في مجتمع شرقي سيكون هذا مألوف ادى الكثير و كانه عادة لا مجال للتفكير فيها فان من يريد التغيير وحتى بحركة بسيطة فسيحكم عليه بالاعدام