in ,

ما هو «الشيء» الذي يتمدد الكون ضمنه؟

يعتقدُ علماءُ الكون (Cosmologists) أنَّ الكونَ لا حدودَ له وأنَّه يتوسَّع. ولتبسيطِ اعتقادهِم هذا، فإنَّهم يدعوننا لنتخيَّلَ الكونَ كورقةٍ مطاطيَّةٍ ونتخيَّلَ أنفسَنا وسط هذه الورقة: إذا تمَّ توسيع هذه الورقة، فإنَّنا سنشاهدُ كلَّ شيءٍ وكأنَّه يبتعدُ عنَّا بغضِّ النظر عن المكان الذي نقفُ فيه، فالورقةُ لا تتوسَّعُ إلَّا إلى نفسِها!

لِنتخيَّل الآن الكرةَ الأرضيةَ على شكلِ بالون ونقوم برسم العديد من النقاط على هذا البالون، ونتخيَّل كذلك حشرة صغيرة تعيش على سطحِ هذا البالون: كيف ستبصرُ هذه الحشرة النقاط الموجودة على البالون إن قمنا بنفخه؟

ستبصرُ هذه الحشرة النقاط وكأنَّها تتحرَّكُ بعيدًا عنها، ونحنُ كذلك نبصرُ الكونَ بهذه الطريقة! فحتَّى ولو لم يكن لدينا أدنى فكرة عمَّا يحتويه الكون أو عن ما يحيط به، فإنَّ كلَّ ما يمكننا قوله أنَّ الكونَ الخاص بنا يتوسَّع، ولا يمكننا في هذه الحالة أن نسألَ عن «الشيء» الذي يتوسَّع فيه لأنَّنا وبكل بساطة لا نستطيع إدراك المساحة المحيطة (يمكن لكلِّ واحدٍ منا القيام بِتجربة البالون في المنزل).

إقرأ أيضا: باي و حجم الكون

ولكن لِننتظر قليلًا! فإنَّ هذه المحاكاة (الموضَّحة في الرسم أعلاه) تفترضُ وجودَ بُعدٍ ثالث (A third dimension) أي المساحة المحيطة التي يتوسَّع فيها عالم «الحشرة»: إنَّ عالمَ «الحشرة» في هذه المحاكاة كرةٌ، ولا تستطيع الكرة، مثل أيِّ سطح مقوَّس آخر، أن تكونَ مكانًا مناسبًا للجلوس إلا إذا كانت ضمن عالم أكبر.

إنَّ تطبيق هذا المبدأ على عالمِنا، والذي يمتلك بُعدًا ثالثًا (A third dimension)، يقودُنا إلى احتمال وجود مساحةٍ ذات بُعدٍ رابع (4D space) يتوسًّع كونُنا فيها!

وبعد الوصول إلى هذه «النتيجة»، تبرز «مشكلة» تحديد إنحناء الكون المتَّسِع، والتي تساعدُنا فكرة «الإنحناء الجوهري» (Intrinsic curvature) على حلَّها (فكرةُ «الإنحناء الجوهري» فكرةٌ رياضيَّةٌ طوَّرها عالم الرياضيات «بيرنهارد ريمان» (Bernhard Riemann)، وهي تسمح بقياس إنحناء مساحةٍ ما من الداخل عوضًا عن رؤيتِها من الخارج).

تنطبق إذًا أوصافُنا الرياضيَّة للكون (والتي تعتمد بشكلٍ كبير على نظرية النسبية العامة لـــ «آينشتاين») على هذا الإنحناء الجوهري، وبالتالي لا يقلق علماءُ الكون حِيالَ أيِّ مساحةٍ محيطة يتَّصل بها الكون، ويمكنهم كذلك، بالإستناد إلى هذه الفكرة الرياضيَّة، أن يتعاملوا مع مفهوم المسافات بين النقاط في الكون الممتد (المُتَّسِع) دون القلق بشأنِ امتداد الكون إلى «شيءٍ» آخر.

نستنتج إذًا أنَّ أفضلَ إجابةٍ على السؤال المطروح حول كيفيَّة تصوُّر الكون الآخذ في الإتِّساع هو: «لا تحاول!»، فنحنُ لسنا بحاجةٍ إلى هذا التصوُّر في ظلِّ وجود الأدوات الرياضيَّة اللازمة لفهم هذا الإتِّساع للكون، وكذلك في ظلِّ عدم جدوى هذا التصوُّر إذ إنَّ حدسَنا في مسائلِ الفضاء محدودٌ جدًّا، ولن يقدِّمَ لنا محاكاةً دقيقةً ومضمونة (Fool-proof analogy)  للأحداثِ الكونيَّة!

المصادر:

  • إعداد: هنادي نصرالله.

تعليقان

ضع تعليقك

One Ping

  1. Pingback:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قدرات خارقة: كيف تستطيع الحيتان الغطس دون استخدام عدة الغطاسين؟!

قدرات خارقة: تمساح النيل