in

مدخل إلى علم الكروماتوغرافيا – Chromatography

مقدمة:

نلاحظ أننا إذا وضعنا نقطة حبر على ورقة عادية ثم قمنا بغمس تلك الورقة فى الزيت بحيث لا يصل مستوى سطح الزيت إلى النقطة التى وضعناها؛ فإنَّ ما نشاهده هو أن الزيت سيتسلق على سطح هذه الورقة إلى أن يصل إلى نقطة الحبر ويتخطّاها، ومع الوقت سنلاحظ أن نقطة الحبر بدأ لونها يخف، ثم تتفكك مكونات الحبر إلى عدة ألوان على مسافاتٍ مختلفة، بحيث تكون محصلة الألوان المتفككة هى اللون الأصلى الذى قمنا بوضعه فى البداية، هذه التجربة البسيطة تلخص لنا ما يحدث فى تقنية الكروماتوغرافي لنكون على فهم جيد بالمعلومات التالية فى هذا المقال ..

إذا طبقنا مثل ما يحدث فى هذه التجربة على محلول الكلوروفيل chlorophyll الآتي من عصارة إحدى أوراق الأشجار، مع اختلاف عدة أشياء بسيطة سنحصل على الشكل التالى (1)، وهذا النوع من التحليل يسمى (paper chromatography).
شكل (1). تشير الدائرة إلى نقطة البداية.

بشكلٍ عام، يشير مصطلح “الكروماتوغرافيا” إلى مجموعة واسعة من الطرق الفيزيائية المستخدمة لفصل و / أو لتحليل مخاليط معقدة من المركبات الفردية، وتعتمد هذة التقنية على الخاصية الشعرية للسوائل capillary-action.

– وتعمل آلية فصل المركبات المختلطة كالتالى:
تنفصل مركبات الخليط عن بعضها نتيجة لاختلاف سرعاتها فى السريان على مادة الورقة التي تُسمى بالوسط الثابت stationary phase، ويكون الخليط المُراد فصله موضوعاً في مادة أخرى تعمل كمذيب للخليط، وتسمى الوسط المتحرك mobile phase، ونلاحظ أن عملية الفصل تحدث بسبب اختلاف درجة امتزاز (أو ادمصاص Adsorption) تلك المركبات المكونة للخليط عن بعضها البعض (تُعبّر خاصية الامتزاز عن درجة ارتباط جزيئات المادة السائلة أو الغازية بسطح المادة الصلبة)، فكلما زادت درجة الامتزاز على سطح الوسط الثابت كلما قلت سرعة سريان المركب، وهكذا تتم عملية الفصل عن طريق اختلاف سرعات السريان لكل مكون من مكونات الخليط.

تاريخ علم الكروماتوغرافيا:

– كما أن لكل علمٍ أب ومُكتشف، فإن أبو الكروماتوغرافيا هو عالم النبات الروسى ميكايل تسيفت (Mikhail Tswett) الذى اخترع تقنية الكروماتغرافيا عام 1900 من خلال أبحاثه على الكلوروفيل، وقد استخدم عموداً لامتزاز (ادمصاص) السوائل يحتوي على كربونات الكالسيوم لفصل الأصباغ النباتية (مثل الكلوروفيل والكاروتين). شُرحت هذه الطريقة للمرة الأولى في 30 ديسمبر 1901، في المؤتمر الحادي عشر لعلماء الطبيعة والأطباء. وقد اُستخدم مصطلح “chromatography” لأول مرة فى عام 1906 فى ورقتين بحثيتين من قبل العالم “ميكايل” وتم النشر فى إحدى المجلات الألمانية لعلم النبات.
وتخليداً لأعماله التي اعتمد فيها على فصل الصبغات النباتية الملونة؛ أُطلق اسم “كروماتوغرافيا” -والتى تعنى حرفياً “الكتابة الملونة”- على هذا النوع من التحليل الكيميائى الفيزيائى.

– تطوّرت تقنية الكروماتوغرافيا بشكلٍ كبير فى خلال الفترة 1940م – 1950م على يد العالمين (آرشر مارتين Archer Martin) و(ريتشارد لورانس Richard Laurence)، مما أهّلهما للفوز بجائزة نوبل للكيمياء عام 1952، الأمر الذي شجع على تطوير طرق التحليل اللونى إلى وقتنا الحالى.

تشمل الكروماتوغرافيا أنواعاً عديدة، نذكر منها الآتي:

1-  الكروماتوغرافيا الورقية Paper chromatography
يتم هذا النوع باستخدام ورقة مثل ورقة الترشيح العادية، وقد تحدثنا عنه فى بداية المقال، وهو يعد أبسط أنواع الكروماتغرافيا لتحليل المخاليط وفصل مكوناتها.

2- كروماتوغرافيا الطبقة الرقيقة  Thin Layer Chromatography أو (TLC)
أشهر أنواع التحليل الكروماتوغرافي، ويعتبر هذا النوع من الكروماتوغرافيا مشابه للنوع السابق، ولكن بدلاً من استخدام الورقة كوسط ثابت stationary phase؛ يتم استخدام طبقة رقيقة من السيليكا أو الألومينا (أكسيد الأولمنيوم) أو السليلوز على مادة خاملة ومسطحة (البلاستيك أو الزجاج كمثال)، وبذلك نحصل على عملية فصل أسرع وأدق، بحيث يظهر كل لون على حدة، ويبيّن مُكونات الخليط الأساسية بشكل أفضل. في الشكل التالي (2) مثالٌ على هذا النوع من التحليل، حيث يوضح انفصال مكونات حبر أسود على ورقة TLC.

الشكل (2).

3-كروماتوغرافيا السوائل High Performance Liquid Chromatography أو (HPLC)
كروماتوغرافيا السوائل عالية الكفاءة؛ يعتبر هذا النوع أحدث من الأنواع السابقة، وله أجهزه أكثر تعقيداً من التقنيات البسيطة السابقة، ,يُستخدم عادةً في الكيمياء الحيوية. تعتمد هذة التقنية على مضخات لتمرير السائل المتحرك المضغوط mobile phase والمُحتوي على عينةٍ من الخليط المُراد فصله، من خلال عمود مملوء بالمادة الصلبة الممتزّة (adsorbent) (التي تقوم بعملية الامتزاز). يتفاعل كلُ مكون من مكونات الخليط مع المادة الصلبة الممتزّة بطريقة تختلف قليلاً عن المكونات الأخرى، وبذلك تنتج معدلات تدفّق مختلفة (Rf – Rate of flow)، ما يؤدي إلى حدوث الانفصال والتفكك.
وفى هذه التقنية يتم التحكم فى سرعة سريان السائل ودرجة الحرارة وفق المعايير العالمية لكل مادة يراد فصلها ومعرفة نسب مكوناتها، ويتم معرفة المواد المكونة للخليط عن طريق معرفة الوقت الذى انفصلت فيه كل مادة ومن ثمَّ مقارنة هذا الوقت مع القياسات العالمية التى تعد كمرجع لذلك.

شكل تخطيطي لجهاز HPLC

(1) خزانات المذيب (2) مذيب لإزالة الشحوم والشوائب (3) صمام التدرج (4) وعاء لخلط السوائل معاً (5) مضخة للضغط العالي (6-أ) صمام لتبديل موقع الإدخال (6-ب) صمام تبديل لوضع التحميل (7) حلقة حقن العينة (8) العمود المبدئي (عمود التخليص من الشوائب التى قد تضر بالعمود الرئيسى) (9) عمود التحليل الرئيسى حيث تتم عملة الفصل بداخله (10) كاشف لمعرفة المكونات المنفصلة (11) جمع البيانات (12) جمع النفايات الخارجة.

4- كروماتوغرافيا التبادل الأيوني Ion exchange chromatography
يعد أحد أنواع كروماتوغرافيا السوائل، ويُستخدم هذا النوع لفصل المركبات المشحونة، بما في ذلك الأحماض الأمينية والببتيدات والبروتينات. الوسط الثابت المُستخدم هو عادةً مركب الـ resin، وهو نوع من البوليمرات يحتوى في تركيبه على أيونات وله كتلة جزيئية كبيرة، ويتميز بقدرته على تبادل الأيونات خاصته مع أيونات الوسط السائل المحيط المراد فصله mobile phase (والتي تكون شحنته مخالفة لشحنة الـ resin وبهذا يتم التفاعل بين الوسطين) ويحدث هذا وفق ظروف مخصصة لكل أيون لاتمام عملية الفصل.

5- Size exclusion chromatography
كروماتوغرافيا الاستبعاد عن طريق اختلاف الحجوم؛ يتبادر إلى الذهن آلية عمل هذه التقنية حيث يتم الفصل تبعاً لاختلاف أحجام الجزيئات وذلك عن طريق استخدام جسيمات مساميّة، يتم سكب الخليط المذاب فى محلول بداخل عمود من الزجاج، والذى يحتوى بداخله على كراتٍ صغيرة من مواد مسامية؛ فعند نزول السائل تعلق الجزيئات الصغيرة فى هذه المسامات فى حين تنزل الجزيئات الكبيرة إلى أسفل (شكل 3) حيث يتم اخراجها عن طريق صنبور صغير، وبذلك يتم فصل الخليط عن طريق تباين حجوم مكوناته. وتعد كذلك نوعاً من كروماتوغرافيا السوائل.

 شكل (3) 

6- كروماتوغرافيا الغازات Gas Chromatography
تشبه هذه التقنية إلى حدٍ ما تقنية HPLC، ولكن خزانات المذيبات تحتوى على غازات خاملة مثل النيتروجين أو الهيليوم (الوسط المتحرك)، ويتم الفصل فى أنبوبة على شكل حلزونى موضوعة بداخل فرن يتم التحكم فى درجة حرارته وفق المعايير العالمية لكل مادة، ويجب مراعاة ثبات سرعة سريان الغاز فى هذه التقنية.

تطبيقات الكروماتوغرافيا:
لكل نوع من أنواع الكروماتوغرافيا استخداماته الكثيرة فى مجالات الصناعة المختلفة، مجالات البحث العلمى ومجالات التحاليل الطبية، سنذكر هنا أمثلةً من تطبيقات الكروماتوغرافيا فى حياتنا اليومية:

  • الطب الشرعى؛ تستخدم تقنية التحليل الكروماتوغرافى لفصل المركبات عن بعضها، ويفيد ذلك فى التحقيقات الجنائية، فعن طريق تحليل الدم والملابس والأطعمة نتمكن من معرفة وجود مواد سامة أو كحولات أو مخدرات فى الدم أو الأطعمة والمشروبات الموجودة بمسرح الجريمة.
  • مصانع وشركات البترول، المبيدات، الأدوية، مستحضرات التجميل وغيرها تستخدم أيضاً التحليل الكروماتوغرافي لمعرفة ما إذا كانت المواد والخامات التى يعملون بها موافقة للمعايير القياسية، وتستخدم أيضاً فى وحدات مراقبة الجودة فى معظم الشركات العالمية.
  • محطات تنقية المياه جميعها تستخدم طرقاً مختلفة من الكروماتوغرافيا لتنقية المياه، وإزالة المعادن الثقيلة منها، أيضاً ضبط نسبة الأملاح لجعلها صالحة للاستخدام الآدمى، كما أن بعض فلاتر المنازل يستخدم تقنية Ion exchange chromatography المذكورة سابقاً.

المصادر:
الأول 
الثاني
الثالث
الرابع 

  • إعداد: محمد مبروك .
  • مراجعة: سارة تركي .

بواسطة سارة تركي

تعليقان

ضع تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

نوبل للكيمياء 2011 – أشباه البلورات Quasicrystals

كيمياء الموسيقا؛ كيف تشعرنا الموسيقا بالسعادة؟!