لطالما حاول علماء الفيزياء فهم ماهيّة الطاقة المظلمة ولكنَّ الفيزياء لا تتمحور دائماً حول معرفة ماهيّة الأشياء، بل إنَّها في أكثر الأحوال تسعى لدراسة تأثيرات هذه الأشياء.
قام مجموعة من الفيزيائيين مؤخراً بإجراء بحث حول مشكلة الطاقة المظلمة، وتوصّلوا من خلاله إلى أنَّ الطاقة المظلمة قد تكون مسؤولة عن مضي الوقت إلى الأمام، فعندما ترمي كرة في الهواء فإنَّها تنطلق حاملةً سرعة أوليّة ولكنَّها سرعان ما تبدأ بالتباطؤ نتيجة تأثير الجاذبية وتعود نحو الأرض، أمَّا إذا رميتها بسرعة كافية (حوالي 11 كيلومتر في الثانية) فإنَّها لن تتباطأ بما فيه الكفاية لتبدأ بالسقوط نحوك ولن تعود أبداً ولكن (نتيجة جاذبية الأرض) ستتحرك ببطء أكبر كلما ابتعدت عنك.
توقع علماء الفيزياء والفلك في تسعينيات القرن الماضي أنَّ شيئاً من هذا القبيل قد حدث بعد الانفجار العظيم (والانفجار العظيم هو الحدث الذي نشر المادة في جميع أرجاء الكون) حيث يُفترض بالجاذبية الناجمة عن المادة مجتمعة أن تتسبب بتباطؤ حركة كل شيء، تماماً كما تتسبب جاذبية الأرض بتباطؤ حركة الكرة ولكن ما وجد لا يتفق مع هذا التوقع فبدلاً من ذلك يبدو أنَّ هناك شيء يسود الكون ويمدد الفضاء بسرعة أكبر مما يمكن للجاذبية أن تجمع الكون معاً.
هذا التأثير صغير ويمكن ملاحظته فقط عندما ننظر إلى المجرات البعيدة ولكنَّه موجود وعُرف بـ “الطاقة المظلمة” (دُعيت بالمظلمة لأنَّها مجهولة ولا أحد يعرف حقيقتها).
لم تكن هذه المرة الأولى التي يوقعنا فيها الكون في الحير فلعدة قرون مضت كان الزمن واحداً من أكثر تلك الأشياء غموضاً، لماذا يمتد الزمن من الماضي إلى الحاضر إلى المستقبل؟ قد يبدو سؤالاً سخيفاً ولكن لو لم يجري الوقت نحو الأمام كانت النتائج لتسبق الأسباب وهذا غير مقبول.
يعمل الكون وفقاً لقوانين الفيزياء فقط، والزمن في جميع هذه القوانين التي نعرفها قابل للعكس بشكل كامل أي أنَّ نتائج هذه القوانين متشابهة تماماً في حال كان الوقت يجري نحو الأمام أو نحو الخلف، وكمثال على هذا فإنَّ مسار كوكب يدور حول نجم (والذي تحكمه الجاذبية) ثابت سواءً كان الزمن يجري نحو الأمام أو الخلف والفرق الوحيد هو اتجاه المسار.
ولكن واحد من أهم قوانين الفيزياء والتي لا يمكن عكس الزمن فيها هو القانون الثاني في الترموديناميك (الديناميكا الحرارية)، حيث يشير إلى أنَّ كمية الاضطراب الموجودة في الكون ستزداد دائماً مع تقدم الزمن نحو الأمام تماماً مثل الطاقة المظلمة، وهذا الأمر كنا قد لاحظناه في الكون لكن ما زلنا لا نفهمه تماماً، ولكننا على الأقل نملك فكرة عنه أفضل من الطاقة المظلمة.
لهذا السبب، استقر علماء الفيزياء – على مضض – على أن القانون الثاني في الترموديناميك هو المصدر لتحرك الزمن نحو الأمام فقط فالاضطراب يجب أن يزداد دائماً بعد حدوث شيء ما وهذا يقتضي أن يتحرك الزمن في اتجاه واحد فقط.
قرر كل من الفيزيائيين A.E.Allahverdyan من معهد يريفان للفيزياء V.G.Gurzadyan من جامعة يريفان الحكومية وكلاهما في أرمينيا، معرفة ما إذا كانت كل من الطاقة المظلمة والقانون الثاني في الترموديناميك متصلين (على الأقل في حالات معينة) ولهذا الغرض درسوا حالة بسيطة وهي كوكب يدور حول نجم متغير الكتلة، فوجدا أنَّه إذا كانت الطاقة المظلمة غير موجودة أو تَجمعُ الكون معاً لا يمكن معرفة ما إذا كان كوكب يمضي في مداره نحو الأمام أو نحو الخلف في الزمن، أمَّا في حال كانت الطاقة المظلمة تمدد الفضاء وتباعده فإن هذا الكوكب في نهاية المطاف سوف يقذف بعيداً عن النجم إلى ما لا عودة وهذا يمكّننا من التمييز بين الماضي والمستقبل فإذا وجّهت الزمن في أحد الاتجاهات فقد يُلقى بالكوكب بعيداً، وعندما توجّهه في الاتجاه المعاكس يعود الكوكب إلى نجمه، بالتالي فإن الطاقة المظلمة تقود طبيعياً لاتجاه الزمن نحو الأمام فقط.
أكد الباحثان أنَّ هذه الحالة محدودة جداً، وأنَّهم بالتأكيد لا يجزمون بأنَّ الطاقة المظلمة هي السبب الوحيد في تحرك الزمن نحو الأمام ولكنَّهم أظهروا احتمال وجود صلة بين الترموديناميك والطاقة المظلمة التي يمكن أن تساعدنا على فهم إحداهما أو كليهما.
المصدر: Is dark energy the reason time moves forward
- ترجمة: جلال حبيب.
- مراجعة: أكثم زين الدين.
- تدقيق لغوي: علاء العقاد.