كان السير إسحاق نيوتن فيلسوفاً وعالمَ رياضيات وفلك وفيزياء، ويُعتبر واحداً من أعظم العقول في التاريخ، فقد قدّمَ إسهامات علميّة كبيرة وعديدة خلال حياته، من خلال مشاركته لـ غوتفريد لايبنتس في وضع أُسس التّفاضل والتّكامل، ودراسته للعدساتِ وقوانين الحركة، كما كان وضعهُ لقانون الجذب العام أهمّ أعماله وأعظمها فقد كان لهُ تأثيراً كبيراً في العالمِ مِن بعده.
ولِدَ نيوتن في إنكلترا في مزرعة وولسثورب عام 1642 بعد وفاة والدهِ بثلاثة أشهر الّذي كان اسمه أيضاً إسحاق نيوتن (وهو نفس العام الّذي تُوفّي فيه غاليلو غاليليه “عبقريٌ يموت وآخر يولد”) في عائلةٍ فقيرةٍ تعملُ بالزّراعة، بعد أن أصبحَ واضحاً أنّه لن يكون مزارعاً جيّداً، ارتادَ كليّة ترينيتي في جامعةِ كامبريدج.
ركّزَ اهتمامهُ خلال دراستهِ على الرّياضيات والعدسات والفيزياء والفلك، وبعد تخرّجهِ بدأ بالتّدريس في الكليّةِ نفسها، ثم اُختيرَ ليشغل كرسيّ لوكاس للرياضيات (الكرسيُّ اللوكاسي) وهو لقب أستاذية الرّياضيات في جامعة كامبريدج، ويُعد من أرقى المناصب الأكاديميّة في العالم حتّى يومنا هذا.
في عام 1689 أُنتخِبَ نيوتن ليكونَ رئيساً لجامعة كامبريدج، وعضواً في البرلمان، كما أُنتخِبَ في عام 1703 رئيساً للجمعيّة الملكيّة، وهي عبارة عن جمعيّةٍ تضمّ العديد من العلماء لا تزال موجودة حتى اليوم، إضافةً إلى تولّيه رئاسة دار صك العملة الملكيّة، و مُنحَ في عام 1705 لقب فارس من قِبل الملكة آن.
كان نيوتن مسيحيّاً متديّناً ولكن بصورةٍ غير تقليديّة، فقد رفضَ أن يأخذَ بالتعاليم المُقدّسةِ للإنجليكيّة (كنيسة إنكلترا)، كما أمضى وقتاً طويلاً في دراسة الخيمياء طامحاً للعثورِ على حجر الفلاسفة، إلّا أنّ مُعظمَ أعماله في مجال الدين والخيمياء لم تُنشر حتّى بعد فترةٍ طويلةٍ من وفاته، ولم يتزوج نيوتن أبداً خلال حياته.
تُوفّيَ نيوتن في عمر 84 عام 1727 نتيجةَ الانهيار العصبيّ الّذي أصابهُ بعد الحريق الّذي أدّى إلى ضياع أوراقه وأبحاثه، وبعد وفاتهِ نُقلت جثته إلى دير ويستمنستر في لندن، الّذي أصبحَ في ما بعد مقبرة العظماء وهو أوّل من دُفن فيه.
وعند استخراج جُثته وتحليلها عُثرَ على كميةٍ كبيرةٍ من الزئبقِ في جسمه، يُعتقد أنّ هذا نتيجة لعملهِ في الكيمياء.
كما في قصة نيوتن الشّهيرة، فعندما رأى التّفاحَ يسقطُ عن الشجرة في حديقةِ منزله، لمعت في رأسهِ فكرة الجاذبيّة، وقوع هذه الحادثة ليس أمراً مؤكداً، لكنّ المؤرّخين اعتبروها ما دفعَ نيوتن لفهم القوى وخصوصاً قوّة الجاذبيّة.
أشهر أعماله حولَ هذا الموضوع”Philosophiae Naturalis Principia Mathematica” (المبادئُ الرّياضيّة للفلسفة الطّبيعيّة) ودُعيَ اختصاراً principia، وفيه تحدّثَ عن قوانين الحركةِ الثلاث.
أوّل هذه القوانين يقول بأنّ الأجسام تُحافظ على سرعةٍ ثابتة في حركتها حتّى تُطبّق عليها قوّةً خارجيّة (القوّة هي الشيء الذي يُغيّر أو يُسبّب تَغيّراً في السرعة أو جهة الحركة).
على سبيل المثال، فإنّ جسماً موضوعاً على طاولةٍ لن يتحركَ من مكانهِ إلّا إذا تعرّض لقوةٍ خارجيّةٍ كدفعهِ باليد أو الجاذبيّة، وهكذا فإنّ أيّ جسمٍ يتحرك بسرعةٍ ما لا يُغيّر سرعته إلّا إذا خضعَ لتأثير قوّةٍ خارجيّة.
قانون نيوتن الثّاني للحركة ينصُّ على أنّ تسارعَ جسمٍ ما أثناء حركته، يتناسب مع القوّة الّتي تؤثّر عليه، وتُحسب هذه القوّة بضرب قيمة كتلة هذا الجسم بقيمة تسارعه.
أمّا القانون الثّالث فينصُّ على أنّ لكلّ قوّة فعلٍ قوّة ردّ فعل، مساويةً لها في المقدار ومعاكسةً لها في الاتجاه، تعملان على نفس الخط وتؤثّران على جسمين مُختلفين، أي إذا أثّر جسمٌ ما على جسمٍ آخر بقوةٍ مُعيّنة فإنّ الجسم الثّاني سوفَ يؤثّر على الجسم الأوّل بقوةٍ مساوية للقوة الأولى ومعاكسة لها في الجهة.
كنتيجةٍ لذلك توصّل نيوتن لقانون الجذب العام، فقد وجدَ نيوتن أنّ قوى الجذب بين جسمين تتناسب عكسيّاً مع مربّع المسافةِ بينهما، فإذا زادت المسافةُ بين الجسمين بمقدار الضعف تُصبح قوة الجذب بينهما ربع القوّة الأصليّة، وإذا زادت المسافة بمقدار ثلاثة أضعاف تُصبح القوّة تُسع القوة الأصليّة.
مكّنت قوانين نيوتن هذه العلماء من فهم حركة الأجسام والأجرام في الفضاء، وخاصّةً حركة القمر حول الشّمس.
كان نيوتن عالماً مُتعدد الاختصاصات، فعندما أُغلِقت كليّة ترينيتي بسبّب جائحة الطّاعون، تابعَ دراستهِ للبصريّات في بيته، حيث استخدم نيوتن الموشور ليفصلَ الضّوء الأبيض، فكان أوّل من قالَ أنّ الضّوء الأبيض هو عبارة عن مزيج للعديدِ من الأمواج الضّوئيّة، واستمرّ في دراستهِ للألوان والضّوء لعدةِ سنواتٍ تالية ونشرَ في ما توصّل إليه . Opticks عام 1704 في كتابه
صمّم نيوتن تلّسكوباً خاصّاً به، مُستخدماً فيه المرايا بدلاً من العدسات، فكان تلّسكوباً عاكساً يُقدّم صوراً أدق من جميع التلّسكوبات العاكسة في ذلكَ الوقت، تمكّن العلماء حديثاً من التّغلبِ على العديدِ من مشاكل العدسات ولكنّ التلّسكوبات الكبيرة كـتلّسكوب جايمس ويب ما زالت تستخدم المرايا.
تعمّق نيوتن عندما كان طالباً في دراسة الرّياضيات، وتابعَ دراسته لها خلال فترة انقطاعه، فقد ساهمَ مع لايبنتس في وضع أُسس التّفاضل والتّكامل، ووحدّ العديد من المفاهيم الّتي كانت تُعتبر سابقاً مُنفصلة عن بعضها، مثل حساب المساحات وظل الزّاوية وأطوال المنحنيات.
أسّس نيوتن أيضاً منهجاً علميّاً مُتماسكاً ليتمّ استخدامه في مختلف المجالات العلميّة، حيث كانت الأبحاث قبل ذلك مختلفة في المنهجيّة بحسب موضوعها، فوحّدها نيوتن في نموذج ما زالَ يُستخدم حتّى اليوم.
بهذا كلّه كان نيوتن من أكبر المؤثّرين في العلم، والمؤسّسين للثورة العلميّة، ورجلاً عظيماً يستحق التّقدير.
ممّا قالهُ السير إسحاق نيوتن:
“العبقريّةُ هي الصّبر”
” لقد بنينا الكثير من الجدران، ولكنّنا لم نبني ما يكفي من الجسور”
“إنّ اكتشاف طبيعة الكون يُعتبر أمراً مستحيلاً على شخصٍ واحد وحتّى على جيلٍ بأكمله، لذلك على كلٍ منّا أن يُضيفَ شيءً صغيراً ويترك البقيّة لمن يأتي بعده”.
“إنّـنـي أبــدو مـثـلَ طـفـلٍ يـلـعـبُ فـي سـاحـل الـبحـر، ويـجـدُ مـن وقـتٍ لآخـر حـصـاةً مـلـسـاء أو قـوقـعـةً أجـمـل من مــثــيـلاتـِـها، إلّا أنّ الحـقـيـقـةَ كـلّها تـمـتـــدُّ أمامي مـثــل مُـحـيـطٍ واسـعٍ عــظــيـم لـم اكـتـشـف مــنــهُ أيّ شــيءٍ بـعــد”
المصادر:
- إعداد: أكثم زين الدين.
- تدقيق لغوي: هديل الزبيدي.