الكشف عن أسرار كوكب المشتري
في الأساطير اليونانية والرومانية القديمة، ينشر الإله جوبتير حجاباً من الغيوم حول نفسه لإخفاء مفاسده، ولكنَّ زوجته الإلهة جونو كانت الوحيدة القادرة على اختراق الغيوم وكشف حقيقية جوبيتير، المركبة الفضائية جونو ستنظر أيضاً تحت الغيوم لمعرفة ما ينطوي عليه الكوكب ليس للبحث عن علامات سوء السلوك بل من أجل مساعدتنا في فهم بنية وتاريخ الكوكب.
جونو هي المركبة الفضائية الثانية المصممة ضمن برنامج ناسا (الحدود الجديدة – New Frontiers)، حيث كانت البعثة الأولى هي بعثة بلوتو – نيو هورايزون، التي حلَّقت بجانب الكوكب القزم في تموز 2015 بعد رحلة استغرقت تسع سنين ونصف، حيث يوفر برنامج ناسا هذا فرصاً للقيام بعدَّة مهام من الفئة المتوسطة مُصنفة على أنها أهداف ذات أولوية عليا في برنامج المسح العقدي لاستكشاف النظام الشمسي والتي حددها مجلس دراسات الفضاء من المجلس الوطني للبحوث في واشنطن (DSSESDecadal Solar System Exploration Survey)،حيث سيُطوِّر جونو فهمنا لبداية النظام الشمسي عن طريق الكشف عن أصل وتطور كوكب المشتري فهو أقدم كواكب المجموعة الشمسية.
سيقوم مسبار جونو بشكل خاص بما يلي:
- تحديد كمية المياه الموجودة في الغلاف الجوي للمشتري، الأمر الذي سيساعد على تحديد أي نظرية هي الصحيحة من نظريات تشكُّل الكواكب (أو إن كان هناك حاجة لنظرياتٍ جديدة).
- دراسة الغلاف الجوي للمشتري لتحديد تركيبه ودرجة حرارته وحركة الغيوم وغيرها من الخصائص.
- وضع خريطة للحقل المغناطيسي وحقل الجاذبية للمشتري.
- استكشاف ودراسة الحقل المغناطيسي للمشتري بالقرب من القطبين، وخاصةَ ظاهرة الشفق، الأمر الذي سيعطي نظرة جديدة عن كيفية تأثير الحقل المغناطيسي الهائل للكوكب على غلافه الجوي.
الهدف الرئيسي لبعثة جونو هو فهم أصل وتطور كوكب المشتري، حيث يخبء المشتري تحت غلافه السحابي الكثيف أسرار الظروف التي حكمت نظامنا الشمسي خلال تشكّله، وكما أن كوكباً عملاق كالمشتري بإمكانه أن يوفر فهماً للأنظمة الكوكبية التي تدور حول نجومٍ أخرى.
وبفضل امتلاك جونو للأدوات العلمية اللازمة، سيحقق جونو في إمكانية وجود نواة صلبة للكوكب ويضع خريطة للمجال المغناطيسي الشديد للمشتري ويقيس كمية الماء والأمونيا في الغلاف الجوي العميق ويدرس الشفق القطبي للكوكب، كما سيسمح لنا جونو أيضاَ أن نأخذ خطوة عملاقة إلى الأمام في فهمنا لكيفية تشكُّل الكواكب العملاقة والدور الذي لعبته هذه الجبابرة في تكوين ما تبقى من النظام الشمسي.
أصل المشتري وتركيبه الداخلي
تجمع الفرضيات على أن تشكل النظام الشمسي بدأ بانهيار سحابة عملاقة من الغاز والغبار (سديم)، مما أدى لتشكل الشمس الأولية، كذلك المشتري فهو أيضاً كالشمس مشكَّل في الغالب من الهيدروجين والهيليوم، هذا يعني أنه كان قد َّتشكل ف وٍقت باكر واستولى على معظم المواد المتبقية بعد أن تشكلت الشمس، ولكن كيفية حدوث هذا الأمر ليست واضحةً تماماً.
هل تشكَّلت نواة كوكبية ضخمة في بادئ الأمر، ثم التقطت بتأثير جاذبيتها كل ذلك الغاز؟
أم انهارت منطقة غير مستقرة داخل السديم مما بدأ عملية تشكل الكواكب؟
والأهم من ذلك هو دور الكويكبات الجليدية (icy planetesimals) أو الكواكب الأوليَّة الصغيرة proto-planets، في تشكيل الكواكب الصخرية ومن ضمنها الأرض و عطارد و الزهرة و المريخ، على الأرجح فقد كانت هذه الكويكبات ناقلات للمواد الأساسية للحياة كمركبات الكربون والماء.
على عكس الأرض، فقد سمحت كتلة المشتري العملاقة بتمسكه بتركيبته الأصلية موفرةً لنا وسيلة لتتبع تاريخ نظامنا الشمسي، حيث سيقوم جونو بقياس كمية الماء والأمونيا في الغلاف الجوي للمشتري وتحديد ما إذا كان الكوكب يملك نواة صلبة، وعن طريق وضع خريطة لحقول الجاذبية والمغناطيسية لكوكب المشتري سيكشف جونو عن البنية الداخلية للكوكب ويقيس كتلة نواته.
الغلاف الجوي
واحد من أهم ألغاز الكوكب العملاق هو مدى عمق المناطق الملونة والأحزمة وغيرها في الغلاف الجوي، جونو سيدرس بنية وحركة الغلاف الجوي للكوكب تحت السحب للمرة الأولى، ويضع خارطة للغلاف الجوي ودرجة حرارته والغيوم وأنماط الحركة وصولاً إلى أعماقٍ غير مسبوقة.
الغلاف المغناطيسي
نتيجة للضغط الكبير في عمق الغلاف الجوي لكوكب المشتري يتحول غاز الهيدروجين إلى سائل يُعرف باسم الهيدروجين المعدني، حيث يعمل كمعدن موصل كهربائياً والذي يُعتقد بأنه مصدر المجال المغناطيسي الشديد للكوكب، هذه البيئة المغناطيسية القوية تولد أكثر شفق لمعاناً في نظامنا الشمسي، سيأخذ جونو لأول مرة عيناتٍ مباشرة من الجسيمات المشحونة المترسبة أسفل الغلاف الجوي، مراقباً الشفق في نفس الوقت بواسطة الأشعة فوق البنفسجية.
هذه التحقيقات ستحسِّن كثيراً من فهمنا لهذه الظاهرة وكذلك للأجسام المغناطيسية المماثلة كالنجوم حديثة التشكل و أنظمتها الكوكبية الخاصة.
الخطة الزمنية للبعثة
- الإطلاق: 5 آب-أغسطس 2011.
- مناورات في الفضاء: آب – أغسطس/ أيلول – سبتمبر 2012.
- التحليق بجانب الأرض والاستفادة من جاذبيتها: تشرين الأول-أكتوبر 2013.
- الوصول إلى المشتري: تموز – يوليو 2016.
- الدوران حول المشتري لـ 20 شهراً (37 دورة).
- نهاية البعثة (النزول من المدار إلى داخل المشتري): شباط-فبراير 2018.
- إعداد: جلال حبيب.
- مراجعة: أكثم زين الدين.
- تدقيق لغوي: علاء العقاد.
مقالة رائعة ـ استمتعت واستفدت من كل حرف فيها ، نشكركم على جهودكم.
يرجى تغيير *اسكتشاف* إلى *استكشاف*
لأن العالم مشغول بالتوافه ، قليلة هي رسائل الشكر التي تصلكم .. تحية للعقول النيّرة التي لا تنتظر إلاّ القليل مما تستحقّ