شيءٌ من المنطق: طبيعتنا الثانية وخبزنا اليومي… فصولٌ في المنطق غير الصوري.
نُبذة عن الكاتب:
عادل مُصطفى؛ طبيبٌ نفسي وكاتبٌ وفيلسوفٌ مِصريّ مُعاصر، انصبَّ اهتمامُه الفكري على الفلسفة، وقد قدَّمَ للمكتبةِ العربيةِ ثلاثين كتابًا في فروعٍ مُتنوّعةٍ من العلم، ما بين تأليفٍ وترجمةٍ، منها: المغالطات المنطقية، والمغالطات اللغوية، ودلالة الشكل، والفن.
وُلِد في القاهرة في نوفمبر 1951ميلادية. وحَصَلَ على بكالوريوس في الطب والجراحة من كلية الطب، جامعة القاهرة في يونيو 1975ميلادية، وعلى درجة ليسانس من قسم الفلسفة بكلية الآداب، جامعة القاهرة في مايو 1979ميلادية.
وفي قسمِ الفلسفةِ تَتَلْمَذَ على يدِ جيلٍ من كِبار الأساتذة، مثل: الدكتور توفيق الطويل، والدكتور يحيى هويدي، والدكتورة أميرة مطر، والدكتور حسن حنفي، والدكتور عاطف العراقي، والدكتور عبد الغفار مكاوي، والدكتور أبو الوفا التفتازاني، والدكتور محمد مهران.
حصل على درجة الماجستير في الطب النفسي وطب المخ والأعصاب من كلية الطب جامعة القاهرة. وشارَكَ في الثمانينيات في تحرير مَجلةِ «الإنسان والتطور» التي كانت تَصدُر عن دارِ المقطم للصحةِ النفسيَّة.
حازَ جائزةَ أندريه لالاند في الفلسفة، وجائزةَ الدولة التشجيعية في الفلسفة لعام 2005ميلادية، ودِرْع الإبداعِ عن مُجمَلِ أعمالِه من السفارةِ المصريةِ بالكويت في عام 2016ميلادية.
الكتاب:
يَفتتحُ الكاتب مؤلَّفه باقتباسٍ لآرثر شوبنهاور، ورد فيه: “كم يكون رائعًا لو أمكننا نُقَيِّضَ لكُلِّ خُدْعةٍ جدليةٍ اسمًا مُختصرًا وبَيّنَ المُلاءَمة، بحيث يتَسَنَّى لنا كُلّما ارتكب أحدُ هذه الخدعة المعينة أو تلك أن نوبّخه عليها للتو واللحظة!”.
يُعدُّ الكتاب الذي بين أيدينا مفتاحًا أساسيًا للمُغالطات التي يرتكبها البعض خلال المناقشات والمحاجّات؛ يُقدم الكاتب فيه شرحًا لهذه المغالطات بطريقة سَلِسة مع أمثلة توضيحية على امتدادِ ثلاثين فصلاً…
المنطق غير الصوري؟
يوضّح الكاتب مفهومَ المنطق غير الصوري بأنّه يعني استخدامَ المنطق في تعرُّف الحجج، وتحليلها وتقييمها، كما ترد في سياقات الحديث العادي ومداولات الحياة اليومية: في المحادث الشخصية، والإعلانات، والجدل السياسي والقضائي…
وفي حين كان اهتمامُ هذا المنطقِ في بداياته مُنصبّا على المُغالطات المنطقية؛ إلّا أنه جَعَل يوسّع من حقله كلما تبيّن أن دراسة الحجج المَصوغةِ باللغة العادية تتطلّب ارتياد أصقاعٍ جديدةٍ من البحث، من مثل:
التمييز بين أصناف الحوار المُختلفة التي يُمكن للحجة أن ترد فيها، وتحديد المعايير العامة للحجة الصائبة، ودراسة مفهوم الترتُّب المنطقي ودراسة المواضع التي يصحُّ ما نأخذه عادة مأخذَ المُغالطة، وتفهُّم الدور الذي تضطلع به المشاعر والشخصية وغيرها من المفاهيم البلاغية في تحليل الحجة وتقييمها، وتبيان الواجبات الجدلية المنوطة بالحجج في أنواع مُعينة من السياقات.
وفي أهمية الإلمام بالمنطق الصوري؛ يبين لنا أهمية دراسة الحجة كما ترد في الحياة الحقيقية وتتجسّد في اللغة العادية، انطلاقًا من عدم قدرة الحق وحده على كسب الجدالات أو قهر الخصوم أو إقناع الناس.
أهمية دراسة المُغالطات المنطقية وفنّ التعامُل معها
يُعرِّف الكاتب المُغالطاتِ المنطقية على أنّها أنماطٌ شائعة من الحجج الباطلة التي يُمكن كشفها في عملية تقييم الاستدلال غير الصوري.
لمنطق المُغالطات أباءٌ قُدامى، ولا يزالُ هذا المبحث يُثيرُ اهتمام كثيرٍ من المناطقة حتى اليوم، والحقيقة المؤلمة كما ورَدَ في مُقدمة الكتاب: “ليس بالحق وحده تكسب جدلاً أو تقهر خصمًا أو تقنع الناس”؛ لأنّ تحفيز عواطف ورغبات الجمهور، غالبًا، أشدُّ إقناعًا من مُخاطبة العقل، خاصةً إن كان بعضهم لا يستطيع التفريق بين مُغالطة تهدف إلى خِداعه وحُجة تهدف لإقناعه.
“عليكَ إذن أن تلمّ إلمامًا جيدًا بالمُغالطات المنطقية حتى يتسنّى لك أن تتجنب الطرق المسدودة أثناء الحوار، وتتعرّف إلى ’النقلات الخاطئة’ في الجدل، وأن تُظهِر خصمك على الخطأ الاستدلالي الذي ارتكبه، بل أن تُقيّض لهذا الخطأ اسمًا؛ لكي يَعلَم الخصمُ أنّك تُجيدُ التفكير، وتفهمُ حجته أكثر منه!”
التفكير النقدي مرحلة مُتقدّمة من النمو المعرفي
يتألف التفكير النقدي، وفقًا لما أورده الكاتب، من ثلاث مراحل هي: الوعي بوجود افتراضات أساسية، والتصريح بهذه الافتراضات وإخراجها إلى واضِحة النهار، وتسليط أضواء النقد عليها: هل هي ذات معنى؟ هل تنسجم مع الواقع كما نفهمه ونعيشه؟ متى تَصِح هذه الافتراضات ومتى تبطل؟
” في غياب التفكير النقدي نكون رهائن للمؤثرات المُحيطة؛ فلا يسعنا إلا أن نُكرر تكرارًا أعمى، تلك الاستجابات التي تعلّمناها من قبل، ولا يسعنا إلا أن نقبل، قبولًا أعمى، كل ما يُقال لنا في أبواق الدعاية السياسية والتجارية، وفي الصحافة والكتب، وكل رأي يصدر عن سلطة.”
“إن التفكير النقدي والعلمي ليس شيئًا فطريًا نأتيه بالطبيعة ونعرفه بالسليقة؛ وإنّما هو عمل حِرفي يتطلب حِذقًا ومهارة. ليس من الصحيح أن لدينا قدرة طبيعية على التفكير الواضح والنقدي بغير تعلم وبغير مُمارسة. ولا ينبغي أن نتوقع من غير المُدرَّب أن يُفكر تفكيرًا واضحًا أكثر مما نتوقع منه أن يُجيد لعب التنس أو الغولف أو العزف على البيانو.”
وفي سبيل اكتساب تفكير نقدي سليم، يعمدُ الكاتب إلى إدراج بعض المبادئ المُرشدة:
- فكر بنفسك لنفسك. (“افهمْ لي ذلك من فضلك” هو نموذجٌ لطلبٍ مُستحيل!)
- اكتسب القدة على وضع رأيك على محك التحليل والنقد، مثلما تفعل مع آراء غيرك.
- لا تُصدِّق كُل ما تسمع، ونصف ما ترى!…
- كُن على استعداد للتخلّي عن رأيك إذا ما تبيّن خطؤه…
- تعلم كيف تستنبط الافتراضات المُبطنة وراء الرأي، وتضعها موضع النقد.
- لا تُسقط رغباتك على الأشياء ولا تجعل من أمانيك معيارًا للحق…
- …لا تقف عند التشبيه البليغ وتظنّه المحطة النهائية.
- لا تجعل من درجة حرارة الاعتقاد معيارًا لصوابه…
- ومهما بلغ نضجك في التفكير النقدي ستظلُّ بحاجة أبدًا إلى تحصيل العلم.
- وأخيرًا:
"تعوَّد صحبة السر، وتذوّق لذّة التساؤل؛
الأجوبةُتُثقِلُك وتُطفِئُك وتُجمِّدُك،
وحدها الأسئلةُ ما يَشوقُك ويهزُّك ويحدوك
وربما اقتضى المرءَ عمرَه كله كي يَعرِف أن هذا
الشوقَ وهذا الولوع هو الغاية القصوى والثروة النهائية."
سأسردُ لك -عزيزي القارئ- المُغالطاتِ الثلاثين التي سُلِّط عليها الضوءُ هاهُنا، علّها تُثري حواراتك بأسُس المنطق السليم وقواعد الجَدَل الصحيح…
المُغالطة الأولى: المُصادرة على المطلوب
مفادها أن تفترض صحة القضية التي تريد البرهنة عليها وتضعها في إحدى مُقدمات الاستدلال، جاعلاً بذلك النتيجةَ مُقدمةً، والمشكلةَ حلاً، والدعوى دليلاً.
قد تبدو المصادرة على المطلوب مغالطةً واضحة للعيان وليست بحاجة إلى دراسة وتحليل، إلا أنها ليست بهذه البساطة؛ انظر إلى المثال الآتي (كما ورد في الكتاب):
(يجب ألا نسمح ببيع هذه القطع من مُقتنيات توت عنخ آمون إلى أي بلد أجنبي مهما كان الثمن؛ وذلك لأن آثار مصر العظيمة ليست للتصدير.)
لاحظ أن هذه الحجة لم تقل لنا لماذا، وكل ما فعلته هو أنها أعادت صياغة النتيجة الموجودة في المُقدّمة؛ إذ لم يعدو الأمر أن يكون إعادة صياغة، أو تكرارًا للعبارة نفسها بألفاظ أُخرى.
“ربما تخدع المصادرة على المطلوب قائلَها أكثر مما تخدع مُتلقّيها؛ لأن المرء حين يكون مُشربًّا منذ البداية بموقف ما فإن من السهل أن يتراءَى له كلُّ مُكافئ أو صِنْوٍ لهذا الموقف كأنه البرهان عليه. ثمة فرق بين أن تعتنق رأيًا وبين أن تكون قادرًا على تبرير هذا الرأي”.
المُغالطة الثانية: مُغالطة المنشأ
يذكر أن المغالطة المنشَئِية قد تُعد ضربًا من البخل المعرفي؛ فالبحث والتقصّي قد يتطلّب وقتًا وجهدًا سخيًا، غير أن الإنسان به ولعٌ متأصل بمعرفة مصدر الحجة وقلّما يولي الناس ثقتهم بآراء جاءَت من مصدر يمقتونه.
ويكفي أن تجلس في جَمع من أدعياء الثقافة وتقول “هكذا قال فرويد أو آينشتاين” -مثلاً- لكي يحظى قولك بالإعجاب.
وبالحديث عن النظريات العلمية؛ فإنّ مصدرها –وفقًا لكارل بوبر- هو أمر لا صلة البتة له بوضعها العلمي. ثم إنّه ليس من الأهمية بمكان؛ وإنّما منطق الاختبار.
“ثمة فرقٌ بين السبب الذي يجعل الناس تعتقدُ في شيء ما وبين السبب الذي يجعلُ هذا الشيء حقًا أو صوابًا”.
المُغالطة الثالثة: التعميم المُتسرِّع
التعميم المُتسرع أو التعميم الاستقرائي هو أن تستخلص نتيجةً، على سبيل المثال، عن “جميع” الأعضاء في مجموعة ما من خلال مُلاحظات عن “بعض” أعضاء هذه المجموعة.
لا ريب في أن هذا التعميم يُستخدَم في مجالات كثيرة مثل البحث العلمي والمسح الاجتماعي، وما إلى ذلك. لكن؛ حتى يكون هذا التعميم قريبًا من الصواب -على الأقل- يجب أن تكون العيّنة مُمثِّلة للمجموعة بكاملها وغير مُتحيّزة لجانب دون غيره.
هناك كثير من الطرائق لتحقيق ذلك، لكن يميل الناس كثيرًا إلى التحيّز في أخذ العينة، لعدة أسباب منها: الميل إلى التماس ما يوافق نظريتهم، أو بسبب الكسل والاستسهال في اختيار العينات…
ومن الأمثلة على العينات غير الكافية:
(تزوجت مرتين وفي كل مرة كان زوجي يطمع في ثروتي ولا يخلص لشخصي. ولذا قررت ألا أتزوج إلى الأبد لأن الرجال كلهم يفتقرون إلى النزاهة والإخلاص.)
ومن الأمثلة على العينات المُتحيّزة:
(التفاحات على وجه الصندوق تتألّق نَضْرةً وبهاء. إذن جميع التفاحات في الصندوق من الصنف الممتاز.)
“والحقُّ أننا مضطرون إلى التعميم في حياتنا العملية؛ ولا يَسَعُنا إلا التعميم إذا شئنا أن نفكر في أي شيء أو نتخذ أي قرار. ويبقى أن نتبع الأسلوب العلمي في استخلاص التعميمات، وأن نتجنّب التعميم المُتسرّع جهد استطاعتنا، وأن نملك تعميماتنا ولا تملكنا؛ أي أن نجعل منها مُجرد فروض عمل قابلة للمراجعة والتنقيح لا اعتقادًا دوجماويًا صلبًا يأخذ علينا سُبُل التأمل ويسد علينا منافذ التفكير”.
المُغالطة الرابعة: تجاهل المطلوب (الحَيْد عن المسألة)
هُنا يتجاهل المرءُ الشيءَ الذي يتوجب أن يبرهن عليه، ويبرهن على شيء آخر. ومكمَن المُغالطة في أنّه يحيدُ بذلك بحجته عن الهدف المحدّد، ويبرهن على نتيجة غير مطلوبة.
لمثل هذه المغالطات جاذبية خفيّة لدى المُستمعين؛ فعلى سبيل المثال: لدى التسويق لبرنامج مُحدد لمُكافحة الفقر، قد يفيض دُعاة البرنامج في ترديد حجج تُثبت ان الفقر تنبغي مُكافحته والفقراء ينبغي إنصافهم، دون إثبات وجوب إتمام ذلك من خلال برنامجهم دون غيره!
“من أيسر الأمور أن نُصدِّق على هذه الأهداف العامة ونصبو إلى تحقيقها؛ أما الأسئلة الصعبة حقًا فهي: هل هذا البرنامج المُحدد حقيقٌ ببلوغ هذا الهدف المنشود؟ وهل هو أجدى في بلوغ هذا الهدف من غيره من البرامج الأخرى المُمكنة؟ إن تغافُل هذه الأسئلة يجلنا نحيد عن القصد، ونقع في مغالطة تجاهل المطلوب”.
المُغالطة الخامسة: الرنجة الحمراء
جاءَت التسمية تيمُّنًا بحيلةٍ كان يستخدمها المجرمون الفارّون لتضليل كلاب الحراسة التي تتعقبهم، وذلك بسحب سمكة رنجة حمراء عبر مسار المُطاردة، فتجتذب الكلابَ رائحتُها الشديدة عن رائحة الطريدة الأصلية.
وعلى غرار هذه الاستعارة؛ تنحرف الحجة في هذه المغالطة في اتجاه مُختلف ولا تصل إلى شيء؛ فهي إما حيودٌ خارج الموضوع إلى موضوع آخر مثير انفعاليًا فحسب، وإما تمويه لا يُفضي إلى شيء ذي بال. هذا خداعٌ للمستمع واستهلاك له وانحرافٌ عن الموضوع برمتّه إلى مسألة أخرى.
المُغالطة السادسة: الحجة الشخصية
يمكنُ أن تقعَ في هذه المُغالطة حين تكون في جدالٍ وتعمِد إلى مُهاجمة شخص الخصم بدلاً من مُهاجمة حجّته، فيبدو بالتداعي كأن حجته قد دُمغت مثله.
لهذه المُغالطة أربعة أنواع:
أولاً: القَدْح الشخصي (السب)؛ أي تشتيت انتباه الحاضرين عن الحجة الأصلية إلى عيوب قائلها وشخصه، لِيبدو أن حجته هي معيبة أيضًا.
ثانيًا: التعريض بالظروف الشخصية (الحجة الشخصية الظرفية)؛ أي أن تُشير إلى أن ظروف الخصم الخاصة هي التي دفعته إلى تبنّي الرأي الذي يتبناه. غير أنه -منطقيًا- لا يعود للظروف الخاصة ثقلٌ منطقي على الحجة.
ثالثًا: مُغالطة أنت أيضًا (تفعل ذلك)؛ أي أن تعمد إلى صرف الانتباه عن حجة الخصم إلى سلوكه أو أفكاره الأخرى. ولعلّ أفضل تصرُّف تذهب تأتيه إذا تعرّضت لهذا هو أن تبتسم مُعترفًا، ثم تردّه في الحال إلى حجتك الأصلية التي يردّ عليها بعد.
رابعًا: تسميم البئر: هو أن تَقي نفسك من خلال وصم خصمك بأنه لا يولي الحقيقة أي اعتبار فيتضمن ذلك أنه مهما يقل فيما بعد فلن يكون موثوقًا. إن ذلك لا يتعدّى أن يكون شَرَك غفلة منصوب.
وإذا دخلت في نقاشٍ كهذا، عليك أن تتخطى الإهانة بجسارة وأن تَلِج إلى صميم الموضوع.
المُغالطة السابعة: الاحتكام إلى السلطة
يُمكن أن تقع في فخ هذه المُغالطة إذا اعتقدت بصدق قضية أو فكرة لا سند لها إلا سُلطة قائلها، رُبما تكونُ صائبة، إلا أنه لا يجب اتّخاذ السلطة بيّنة من دون البيّنة.
أيُّ سُلطة هي التي يُمكن الاحتكام إليها؟
يقول إن سلطة الخبراء هي ما يُمكن الاحتكام إليه؛ نظرًا لأن الخبير هو شخص نذر عمره في دراسة مجال مُعين حتى حصل معرفةً تجعلُ حكمه ضمن تخصصه أقرب صلةً بالحقيقة.
ومع ذلك؛ من المفروض أن يكون من تحتكم إلى خبرته مُحددًا؛ فعندما يُشار إلى مؤسسات أو إلى ألفاظ من قبيل: “عُلماء” أو “الأطباء” أو “شاهدت في التلفاز” … تفقد الدعوى موثوقيتها وتكون مُجرّد إشاعة.
لكن؛ إذا كان هنالك خلافٌ بين الخُبراء في المسألة المَعنية، لا يَعودُ مُمكنًا حسمها بمُجرد الالتجاء إلى رأي الخُبراء. هذا عدا عن احتمالية تحيُّزهم نحو آرائهم بحكم الطبيعة البشرية.
ولا يُمكن الاحتكام إلى سلطة الخبير عندما يكون مجال خبرته هو علم زائف أو مبحث معرفي غير مشروع من مثل: التنجيم والفأل وتحديد الشخصية من شكل الجمجمة وما نحوهم.
المُغالطة الثامنة: مُناشدة الشفقة (استدرار العطف)
انظر هذه الحجة: (… كيف ترفض رسالتي للدكتوراه؟ لقد عكفتُ على كتابتها سبعَ سنواتٍ مُتواصلة؟!)
لاحظ كيف يستدرّ القائلُ عطفَ المُشرفين لتأخذ الشفقة مأخذ الحجة. لكن؛ مهما يكن من شيء، فإنّ انفعال العطف ليس من جنس الحجة، وهيهات له أن يكونَ دليلاً على رأي أو أساسًا لاعتقاد.
المُغالطة التاسعة: الاحتكام إلى عامة الناس
الاحتكامُ إلى الناس بدلاً من العقل؛ تكادُ تكونُ أداةً من أدوات عمل رجال الدعاية والإعلان؛ فإذا كان “الجميعُ يعتقدُ ذلك” أو “الكل يفعلُ ذلك” فلا بد من أن يكون “ذلك” صحيحًا!
“في عمق الروح الإنسانية التي أُلقي بها في حمأةِ الوجود على غير اختيار منها تقبع حاجةٌ إلى الاتصال بآخرين من صِنوِها. حاجةٌ تبلغُ من الإلحاح والشدة مَبلغًا يضطر الناس إلى أن تُسلم ضميرها وبصيرتها لطغيان ثقافتها الجاهزة وتقاليدها الموروثة. حتى لو كانت تلك ثقافةً جاهلةً وتقاليد حمقاء. وقليلٌ هم الأفراد الذين يُمكنهم أن يأتمروا بأوامر عقولهم الخاصة ويهتدوا بِهَدى بصائِرهم الشخصية حتى عندما تكون تلك مُغايِرةً للشائعِ ومخالِفة للمألوف”.
يذهبُ الكاتب إلى ثلاثة أشكال أساسية لمغالطة الاحتكام إلى الناس هي:
عربة الفرقة (الموسيقية)؛ وتأتي تسميتها من عربة الفرقة الموسيقية؛ فقد كان المرشحون فيما مضى يستقلون في حملاتهم الانتخابية عربية كبيرة تتسع لفرقة موسيقية، ويجوبون المدينة؛ كان الناس يعبرون عن تأييدهم للمرشح باعتلاء العربة أو الصعود إلى ظهرها.
تعني في مجال علم النفس؛ ظاهرةً اجتماعية يشعر فيها الأشخاصُ بضغط الانصياع لموقف مُعين، عندما يدركونه على أنه موقف الأغلبية في مجتمعهم. ومن الأمثلة على هذه المغالطة : (15 مليون عربي لا يمكن أن يكونوا على خطأ) أو (تشير استطلاعات الرأي إلى فوزٍ ساحق للحزب الوطني؛ ومن ثَم ينبغي أن تصوت للحزب الوطني).
التنَفُّج (التأسِّي بالنخبة)؛ أي الاقتداء بصفوة الناس بدلاً من العامة، ومن أمثلة هذه المُغالطة: (صفوةُ المُثقفين يعتنقون الماركسية هذه الأيام؛ إذن الماركسية هي الفلسفة الصحيحة وعليّ اعتناقها).
التلويح بالعلم/ التذرُّع بالوطنية؛ تعني اللجوء إلى المشاعر القومية لدعم الحجة أو الموقف، ويندرج ها هنا التلويح بأي رمز سواء كان سياسيًا أو مذهبيًا أو دينيًا.
بعد ذلك يتجه الكاتب إلى توضيح مواضع صواب الاحتكام إلى الأغلبية؛ عندما يكون هو المحدد للحقيقة في المسألة المعنية، مثل أجماع أهل الخبرة والرأي في مجال تخصصهم.
المُغالطة العاشرة: الاحتكام إلى القوة (ومنطق العصا؛ اللجوء إلى التهديد)
تعني اللجوء إلى التهديد والوعيد من أجل إثبات دعوى لا تتصل منطقيًا بانفعال الخشية والرعب الذي تهيب به. ومثالٌ عليها: (ينبغي أن توافق السياسة الجديدة للشركة؛ هذا إذا كنت تريد أن تحتفظ بوظيفتك).
“بوسع العصا أن تشج الرأس وبوسعها أن تزهق الروح، ولكن هيهات لها ان تقيم برهانًا او تثبت حجة. وقلما يكون التلويح بالعصا سببًا لاعتقاد أي شيء”.
المُغالطة الحادية عشرة: الاحتكام إلى النتائج
أي استخدام النتائج السبية أو الإيجابية المُترتبة على اعتقادٍ ما بمثابةٍ دليلٍ على كذب هذا الاعتقاد أو صدقه. ومن الأمثلة على الحجج المُغالِطة ها هُنا: (من المؤكد أن “نظرية التطور” نظرية مغلوطة؛ وإلا لكان الإنسانُ قريبًا لبقية الحيوانات، وكان له أن يفعل فِعلَها ويسلك مسلكَها).
” من الخطأ دائمًا أن نوجسَ من كل نظرية علمية جديدة تكشفُ جانبًا من الحقيقة، أو نرفضها، لا لشيء إلا لأنها تتحدى قناعاتنا الثقافية، أو تجرح كبرياءنا البشرية، أو تمسّ عواطفنا الاجتماعية”.
المُغالطة الثانية عشرة: الألفاظ المُلقَّمة (الألفاظ المشحونة- المُفخَّخة)
حين تكونُ اللفظةُ مُحملَّةً بمتضمنات انفعالية وتقويمية زائدة، إضافةً لمناها المُباشِر، يُقال لها “لفظة مُلقّمة” أو مشحونة. فهي مثل البندقية الملقمة بالذخيرة، بينما المعنى الانفعالي هو الرصاصة. ومن الأمثلة على ذلك استخدام لفظة “عنيد” بدلًا من “صارم”، ولفظة “رشوة” بدا من “حافز”، “بسيط” بدلاً من “ساذج”، “مدقق” بدلاًمن “موسوس” … هندها اكون قد استخدمت ألفاظا تفعل فعلاً آخر غير مجرد رصد الحالة الموضوعية؛ فهي تحكُم وتقوِّم وتحرِّض.
بَيْد أن ليست كلُّ لغةٍ مشحونة مُغالِطةً بالضرورة، وإلا لكان كل الأدب والشعر ركامًا من المُغالطات.
المُغالطة الثالثة عشرة: المُنحدر الزلق (أنف الجمل)
من الحُجج المغلوطة الشائعة جدًا والتي تندرج تحت مُسمى هذه المُغلطة: (إذا استثنّيتُك أنت من هذا القرار فسوف يكون عليّ أن استثني الجميع)؛ فهي تعني أن فعلاً ما، ضئيلاً وتافهًا بحدّ ذاته، سوف يجرُّ سلسلة محتومة من العواقب المؤدية إلى نتيجة كارثية.
المُغالطة الرابعة عشرة: الإخراج الزائف (القسمة الثنائية الزائفة)
من شأن الوقوع في هذه المُغالطة إغلاقَ عالَم البدائل المُمكنة أو الاحتمالات الخاصة بموقفٍ ما، والإبقاء على خيارين اثنين لا ثالثَ لهما، أحدهما واضحُ البطلان والثاني هو رأيُ المُغالِط دامَ فضله.
مثالٌ رائجٌ عليها: (إما أنك معنا أو أنك ضدّنا).
تروّج هذه المُغالطة بصفة خاصة في أقوال الباعة ومندوبي الدعايات الذين يُضيّقون على العميل نطاقَ الخيارات حتى لا يبقى خيارٌ له إلا في سلعتهم المعروضة.
“حين يعمّ الاستقطاب الذهني ويتواتر يُصبح سمةً شخصيةً تميّز الفرد، أو أيديولوجيةً جمعية تميز الجماعة. وهو على المستويين لا يورِّث إلا العجز والجمود”.
المُغالطة الخامسة عشرة: السبب الزائف (أخذُ ما ليس بعلّةٍ عِلّةً)
تحدثُ هذه المُغالطة عندما يخلط العقل بين “المَعِيّة” و”السببية”، ويجعل مُجرد الارتباط بين حدثين دليلاً على أنّ أحدهما سببٌ للآخر، دون أي بيّنة أبعد من ذلك.
لكن؛ إثبات وجود علاقة سببية بين حدثين يستلزم أكثر من مُجرّد الارتباط؛ يستلزمُ الاطِّراد الدائم، والارتباط الدائم بين نمطيهما، إيجابًا وسلبًا، وعدم وجود أي أمثلة مُضادة.
المُغالطة البَعدية؛ بعدَ هذا إذن بسبب هذا
إن الاكتفاء بمُجرد التعاقب الزمني دليلًا على علاقة السببية هو تفكيرٌ شديدُ الفجاجة والسوقية. نعم السوقية؛ لأنّه يتّسم بالجهل والشيوع، وبه يتقوَّم كل التفكير الخرافي والسحري وثرثرة مجالس الفراغ والتَبَطُّل.
ومن الأمثلة الشائعة على هذه المُغالطة: (استخدمتُ هذا القلم أثناء الامتحان فأجبت على جميع الأسئلة بإجادة تامّة، إذن هذا القلمُ فألٌ حسن ولسوف استخدمه في كل الامتحانات القادمة).
المُغالطة لسادسة عشرة: السؤال المشحون (المُركَّب)
طريقة لدسّ “فروض مُسبقة” وغير مُبرَّرة وغير داخلة في التزامات الضحية داخل سؤال واحد، في شكل يجعلُ أي جواب مُباشِر يُعطيه المُجيب يوقعه في الاعتراف بهذه الفروض، والمثالُ التقليدي على ذلك: (متى أقلعتَ عن تعاطي المُخدّرات)، وهو عبارة عن باقة أسئلة مُغلفة معًا: هل كنت تتعاطى المُخدرات؟ وإذا كنت تفعل هل توقفت عن ذلك؟ وإذا توقفت فمتى؟
المُغالطة السابعة عشرة: التفكير التشبيهي (الأنالوجي/ المُماثَلة الزائف/ـة)
يقع المرءُ في هذه المُغالطة عندما يعقدُ مُقارنةً بين أمرين ليس بينهما وجهٌ للمقارنة، أو أمرين بينهما مُجرد تشابه سطحي وليس بينهما وجه شبه يتّصل بالشأن المَعني الذي تريد الحجة أن تثبته.
من ثَم يذهبُ الكاتبُ إلى تفصيلِ الأنالوجي؛ أهميتها وحدودها وأنواعها ومَخاطرها، مباشرةً من الكتاب؛ سأتركُ لك مُتعةَ قراءتها.
من الأمثلة المُضحكة على التفكير التشبيهي: (العقول كالأنهار؛ قد تكون عريضة؛ وكلما كان النهر أعرض كان أكثر ضحالة. إذن كلما زاد العقل اتساعًا زاد سطحية).
المُغالطة الثامنة عشرة: مُهاجمة رجلٍ من القش
يعمَدُ المُغالِط هاهُنا إلى مُهاجمة حجّةً أخرى هشة وسهلة المنال وغير حصينة بدلاً من حجة الخصم الحقيقية. وتأتي التسمية من تلك المُمارسة التي كانت شائعة في العصور الوُسطى؛ تُستخدَم فيها دُمية على هيئة رجل محشوّة بالقش لكي تمثل “الخصم” في ممارسة المُقارعة بالسيف. ولا تزال صيغٌ من هذه المُمارسة شائعة حتى الان، خاصةً في مواقف التعبير عن الاحتجاج والكراهية وفي مظاهرات المناهضة السياسية.
مهما يكن من شيء؛ فإنّ مُهاجمة خصم من القش بدلاً من الخصم الحقيقي هي في أغلب الأحيان ضرب من الغش والجبن، وخروجٌ عن الموضوع، ومضيعة للوقت والجهد.
“كن رجلاً إذن، ولا يَكنْ دَيْدَنُك أن تنسج الدمى وتحشوها قشًا وتوسعها لكمًا… كُن مُحسنًا لخصمك، واعرض حجّته في أدّق صورة وأقواها، ثم قوّضها تكن قد فعلت شيئًا يُذكَر”.
المُغالطة التاسعة عشرة: مغالطة التشيّىء
التشيّىء؛ أن تُعامل المجردات أو العلاقات كما لو كانت كيانات مرئية. مثلاً: (الطبيعة تبغضُ الفراغ؛ لاحظ أن الطبيعة لا تبغضُ شيئًا.) أو (وحدها القوانين العادلة ما يداوي آلام المُجتمع؛ القوانين لا تداوي شيئًا والمُجتمعات لا تتألم.)
المُغالطة العشرون: انحياز التأييد (التأييد دون التفنيد)
هُنا حيث نجد الناس يلتفتون إلى الأحداث التي تتفق معها، أما الأحداث التي لا تتفق –رغم أنها الأكثر والأغلب- فيغفلونها ويغضون عنها الطرف، مثل حال الخُرافة سواء في التنجيم أو في تفسير الأحلام أو الفأل أو ما شاكل.
يعرض لنا أمثلةً توضِّح العلاقة المنطقية بين التحقيق والتكذيب؛ في سبيل تبيان أن للتأييد ما شئتَ من الأدلة المُتّسقة مع توثيقه، وهذا ما يخالف معايير العلم.
المُغالطة الحادية والعشرون: إغفال المُقَيِّدات
إغفالُ المُقيِّدات أو المُحدِّدات أو الشروط التي ينطوي عليها التعميم، واستخدام القاعدة ذات الاستثناءات المقبولة على أنها قانون مُطلق؛ فالتعميم الذي يصدق على الإجمال قد لا يصدق في حالة مُعينة.
المُغالطة الثانية والعشرون: مُغالطات الالتباس
لالتباسِ الحجة في الحديث نوعان:
1- الالتباس المعجمي أو اشتراك اللفظ
ينجم عن كون مُعظم ألفاظ اللغة ألفاظًا مُشتركة لها أكثر من معنىً واحد، ومن وسائل التغلب التباس الألفاظ: التعريف والسياق. لذا؛ حين يعجز الأخيرين عن حصر نطاق المعنى الخاص بكلمة ما في معنى واحد بعينه ينشأ الالتباس. وحين تفعل ذلك في مساق حجةٍ ما، عفوًا أو عن قصد، تكون قد ارتكبت مُغالطة.
2- التباس المبنَى أو اشتراك التراكيب
من حيل المُنجِّمين أن يصوغوا تنبؤاتهم في صيغٍ مُتشابهة وغامضة بمنحىً تتملَّص فيه من اي شيء يُكذّب التنبؤ؛ ما يجعل النبوءَة مُتمنعة عن التكذيب أساسًا.
إن هذا الشكل من المُغالطات ضاربٌ في حياة البشر وفي صميم العقل الإنساني، وتجده جليًّا في النبوءات الواردة في كثيرٍ من الأساطير والمؤلفات القديمة.
3- النَّبْـر (التوكيد أو التشديد أو تشكيل الكلمات)
المُغالطة الثالثة والعشرون: مُغالطة التركيب والتقسيم
هي نقلةٌ خاطئةٌ لغويًا ومنطقيًا بين خصائص الكُل وخصائصِ أجزائِه المكوِّنة؛ ففي مُغالطة التركيب، تُضفى صفات الجُزء على الكل؛ إذ تكمن في عدم القدرة على إدراك كون الجماعة كيانٌ قائمٌ بحدّ ذاته؛ فمثلاً: تقييم الفراد مُختلفٌ عن تقييم الجماعة. وفي مُغالطة التقسيم، تُضفى خصائص الكل على المكوّنات، كأن يزعم شخصٌ أنّه ماهرٌ في صنعةٍ ما، بالاستناد إلى مهارة أسرته الذائعة الصيت (علمًا أنه ليس كذلك).
المُغالطة الرابعة والعشرون: إثبات التالي
في العبارة الشرطية؛ تضعُ شرطًا مُقدَّمًا وتمضي في التالي لتتحدم عمّا يلزم عن هذا الشرط، وفي مُغالطة “إثبات التالي” يتم الانتقال في الاتجاه العكسي؛ أي من التالي إلي الشرط المُقدَّم.
مثلاً: (جميعُ الفصاميين يتصرفون بطريقة غريبة. هذا الشخص يتصرف بطريقة غريبة. إذن هذا الشخص فُصامي).
يوجد أيضًا نوعٌ آخر لهذه المُغالطة هو “إنكارُ المُقدَّم”؛ أي إذا قام المُغالِط في قضية شرطية ينفي المُقدم ويستنتج من ذلك نفي التالي، ومثالٌ عليه: (إذا كان هذا الاختبار قائمًا على معايير مُخادعة فسوف يكون إذن معيارًا غير صادق. ولكن المعايير ليست مُخادِعة. إذن فالاختبار صادق)
المُغالطة الخامسة والعشرون: ذَنْبٌ بالتداعي
لا يحب الإنسان أن يُقرَن بمن لا يُحب؛ هذا ميلٌ فطري لدى البشر… عليه؛ قد يقعُ المرءُ في هذه المُغالطة حين يعتبرُ رأيًا ما هو باطلٌ بالضرورة بالنظر إلى مُعتنقيه، أي يَعمد إلى رفض الدعوى لأنها مُرتبطة في ذهنه بما لا يحب.
المُغالطة السادسة والعشرون: مُغالطة التأثيل
التأثيلُ؛ اعتقادٌ فيه تبسيطٌ مُفرط لطبيعة اللغة ومنشَئِها وقوانينها المُسيّرة، والتماسِ الأصل التاريخي الذي أتت من الكلمة كتأطيرٍ للمعناها الحقيقي. تتناسى هذه المُغالطة أن اللغة ليس كيانًا كلسيًا ثابتًا، وأن هناك تغيّرات كثيرة تعتريها منها: التغير الصوتي والتغير النحوي والتغير الدلالي.
يبسِطُ د. مُصطفى هاهُنا بعضًا من شريط تاريخ اللغة بدءًا بمعاني الكلمات وكيفية تغيّرها (مثل كلمة nice سبق وأن كانت تعني أحمق على عكس ما تعنيه اليوم؛ لطيف)، مرورًا بالقصص والمؤلفات التي من شأنها بيان منشأ اللغة وطبيعتها وانتهاء بخطورة اعتمادِ التأثيلِ في الكلامِ خاصةً في الحقل العلمي؛ أي فهم المُصطلح العلمي بمعناه اللغوي الدارج بين العوام.
المُغالطة السابعة والعشرون: الاحتكام إلى الجهل
هذه مُغالطةٌ خطيرة؛ تُفيدُ أن شيئًا ما هو حقٌّ بالضرورة مادام أحدٌ لم يبرهن على أنه باطل. والعكس أيضًا صحيح؛ أي أن شيئًا ما هو باطل بالضرورة طالما لم يُثبت أحد بالدليل أنه حق. (ليس هنالك دليل على أن الأشباح غير موجودة، إذن الأشباح موجودة.)
لكن؛ قد تكون الحجة المُستفادة من الجهل غير مُغالِطة! كيف ذلك؟
مثالٌ بسيطُ لتوضيح ذلك: اتباع مبدأ السلامة في تناول الأسلحة؛ فإذا كنت تجهل ما إذا كان السلاح مُلقمًا بالذخيرة أم لا فإن عليك التعامل معه على أنه مُلقم، وأن تفتح خزانته قبل أن تلوح به، لكي تستوثق من أنه غير مُلقَّم.
أيضًا هناك أمثلة في عدة مجالات مثل: في المجال الطبي ومجال التاريخ والبحث العلمي ومجال علوم الحاسوب والعلوم الاجتماعية؛ يذهبُ الكاتبُ إلى التفصيل فيها.
المُغالطة الثامنة والعشرون: سرير بروكرُسْت
بروكرُسْت؛ جاء ذكره في الميثولوجيا اليونانية، وهو قاطع طريق يعيش في أتيا. كانت له طريقة خاصة جدًا في التعامل مع ضحاياه: يستدرجُ الضحية ويُضيّفه، وبعد العشاء يدعوه إلى قضاء الليل على سريره الحديدي الشخصي؛ الذي يتميّز بطوله المُلائِم لمقاس النائم عليه مهما اختلف. إلا أن هذه الميزة تأتي من بتر بروكرست لرجليه إن كان طويلاً ومطّهما إن كان قصيرًا… واستمر على هذه الحال حتى لقي جزاءه على يد البطل الإغريقي ثيسيوس بنفس طريقته هو.
يُشير المُصطلح لأي نزعة إلى “فرض القوالب” على الأشخاص أو الحقائق أو الأمور على اختلافها أو تشويه البيانات في سبيل القولبة الجبرية والتطابق المُتعسِّف.
وتتلون البروكرستية عدة ألوان يذهب المؤلف إلى ذكرها وتحليلها، منها: التأويلية والإكلينيكية والثقافية والسياسية والبحث العلمي والإدراك الحسي وهلُم جرًّا.
المُغالطة التاسعة والعشرون: مُغالطة المُقامر
(لقد اشتريتُ ثمانية بطاقات حظ الأسبوع الماضي، ولم تكن بينها أي بطاقة رابحة. وحيث أن فرص الربح هي واحدة لكل تسعة، فإن بطاقتي القادمة ستكون رابحة على الأرجح).
هذا مثال واضحٌ جدًا عمّا تنطوي عليه هذه المُغالطة؛ إذ يرتكبها المرء عندما يظنّ أن ما وقع في الماضي له تأثير في الأرجحية أو الاحتمالات الحالية.
المُغالطة الثلاثون: المظهر فوق الجوهر
قد تقع في هذه المُغالطة عندما تولي أهمية زائدة لأسلوب وزخرفة عرض الحجة على حساب محتواها؛ لا يغرّنك مظهر الحجة فهو لا ينم عن جوهرها، بل ولا يؤثر البتة في تفنيدها أو تحديد قيمة صدقها.
* * *
انتهى.
عدد صفحات الكتاب: 274 صفحة.
الطبعة الأولى: القاهرة، المجلسُ الأعلى للثقافة، 2007.
الترقيم الدولي:I.S.B.N. 977-437-569-6
مصادر السيرة الذاتية للمؤلف: [1] &[2]
- إعداد: نور عبدو.