يعدّ استخدام السُّم في تخدير الفرائس، إصابتها بالشّلل، أو قتلها من التقنيّات المثيرة للاهتمام التي يستخدمها عدد كبير من المفترسات. قد تُستخدم هذه التقنيّة كأداة للدّفاع ضد المفترسات الأكبر حجمًا.
تشتمل هذه التقنيّة على عدة آليّات مختلفة: كإفراز السُّم على الجلد مثل بعض أنواع الضفادع, أو بخه كما هي الحال عند الكوبرا المصريّة البخّاخة، أو إفرازه من غدد تقع خلف الأسنان مباشرةً إذ يتمّ إدخاله إلى جسد الضّحية عن طريق عضِّها كما تفعل أغلب أنواع الثّعابين السّامّة.
يصعُب علينا حتمًا الحصول على عينات من السّم الذي استخدمته الحيوانات المنقرضة منذ ملايين السنين للتأكد من استخدامها له، فهو سيتحلّل كغيره من المواد العضويّة ولن يتبقّى لنا إلا الأجزاء الصّلبة مثل العظام التي ستتحجّر لو حُفظت في ظروف مناسبة لتصلَ إلينا، لكن يمكننا بقدر كبير من الدقة توقُّع فيما إذا كان هذا الكائن يستخدم السم أم لا بفحص عظام فكَّيه والغدد المفرزة للسّم التي تقع عادةً خلف الأنياب العلوية لدى جميع الحيوانات التي تنقل سمَّها بِطريق العضّ. تشغل هذه الغدد حيزًا من عظم الفك فعند تحللها سيبقى مكانها فارغًا. هذا أمر يمكن ملاحظته, وهو بالضّبط ما نواجهه بهذه الحالة.
مشى (يوتشامبرسيا Euchambersia mirabilis) -مفترس حجمه أكبر بقليل من القط المنزلي- على الأرض قبل حوالي 260 مليون سنة, وهو ينتمي لطائفة (مندمجات الأقواس Synapsida) وهي طائفة عتيقة من الفقاريات تعتبر أسلاف كل الثدييات الحالية.
ينتمي يوتشامبرسيا إلى رتبة (الثيرابسيد Therapsida) وهي رتبة كبيرة ومتنوعة تشمل إلى جانبه أسلاف الثدييات الحالية, تميّزت بأن أطرافها الأربعة كانت منتصبة عموديًا تحت الجسد وليست مفرودة بشكل شبه أفقي كالزواحف وأسلافها, كما كانت أطوال أطرافها أكثرَ تجانسًا, وتطورت فكوكُها لتصبحَ أقوى, وتمايزت أسنانها إلى قواطع أمامية وأنياب خلفية طويلة، كما تمايزت لديها عظام القوقعة الأنفيةNasal concha. يُعتقد أنها كانت من ذوات الدّم الحار كثدييات اليوم.
عُثر على بقايا يوتشامبرسيا في جنوب إفريقيا عام 1931, كانت النقطة المثيرة للاهتمام عند فحص جمجمته هي وجود فراغين خلف النابين العلويين، بينما امتد فراغان صغيران بَدَوَا كقناتين لمرور السم منهما إلى النّابَين. لقد تكهّن الكثير من الباحثين الذين عملوا على الجمجمتين اللتَين تم العثور عليهما بأن هذه الفراغات لغدد تفرز السم.
أخضعَ الباحثون الجمجمة للتصوير المقطعي متناهي الصّغر للحصول على صور ثلاثية الأبعاد لكي نصبحَ أكثرَ يقينًا من ماهيّة هذه التكوينات غير التقليدية، إذ كانت النتائج مثيرة للاهتمام، حيث يمتلك يوتشامبرسيا تكوين مثالي لحيوان سام: (غدد تفرز السم, قناة ناقلة لهذا السم, وأدوات ثقب قوية تقوم بها أنيابه الكبيرة لحقن السم في الفريسة)، هذا هو التفسير المنطقي الوحيد لهذه الحفر والقنوات بفكّه العلويّ.
يعلّق على ذلك جوليان بينويت الباحث بمركز برنارد برايس لدراسات الحفريات بجامعة ويتواترسراند بجنوب إفريقيا والمشارك في الدراسة بقوله: “حاليًا، تُعدّ الثعابين الأكثر شهرة بعضّتها المميتة, ولكن أقدم حفريات عُثر عليها لها تعود لحوالي 167 مليون سنة، في حين طوّر يوتشامبرسيا هذه القدرة قبل ظهور أول ثعبان على الأرض بحوالي 100 مليون سنة، وهذا هو الدليل الأول على أقدم كائن سام من الفقاريات”.
المصادر: ncbi – plos – livescience
- إعداد: محمد علي.
- مراجعة: داليا المتني.
- تدقيق لغوي: لانا محمد حسن.