أحسن من قراءة خطوط اليد أو كرة الكريستال، ها هي الميتوكندريا! بتحليل النشاط الأيضي لهذه العضية الخلوية عند الدودة، استطاع باحثون صينيون التنبؤ بمدة حياة هذا الحيوان. ماذا بخصوص الإنسان؟
من المسلم به حاليا أن الميتوكندريا بكتيريا قديمة ابتلعت من طرف خلية سالفة. تعتبر هذه العضية مصنعا للطاقة اللازمة للخلية حقيقية النواة للعمل و من المحتمل أنها تسمح بتحديد مدة حياة الدودة Caenorhabditis elegans.
الميتوكندريا هي هياكل صغيرة موجودة في كل الخلايا حقيقية النواة و تعتبر الحلقة الأهم للأيض. تعتبر مهمتها الرئيسية استعمال الجلوكوز و الأكسجين لصناعة الأدينوزين ثلاثي الفوسفات، الطاقة اللازمة لعمل الخلية. لكن خلال هذه العملية تحرر مشتقات أوكسجينية تفاعلية، و هي أنواع كيماوية مؤكسدة مثل الجذور الحرة، ما يعني جزيئات تملك الكترون أو عدة الكترونات منفردة على مستوى الحلقة الخارجية. هذه المكونات تتفاعل بشدة و يمكنها التفاعل مع أي من الجزيئات المحيطة، مهددة بذلك مهمة هذه الأخيرة.
عندما تتراكم المشتقات الأوكسجينية التفاعلية تتسبب في آفات خطيرة يصعب على الجسم تصليحها. لهذا السبب يتهم أغلب العلماء هذه المشتقات أنها السبب في شيخوخة الخلايا، حتى و إن كانت هذه النظرية محل جدل. تشكك أبحاث متزايدة بشكل خاص في جدوى تناول المواد المضادة للأكسدة للصحة. هل من الممكن التنبؤ بطول العمر للكائنات الحية بتحليل الميتوكندريا؟ حسب باحثين في المعهد الوطني للعلوم الحيوية في بكين، الإجابة إيجابية. البحث الذي قاموا به و المنشور في مجلة Nature
يبين أن الميتوكندريا هي مؤشر لطول العمر عند الدودة الخيطية.
“النشاط الأيضي للميتوكندريا أداة فعالة جدا للتنبؤ للوقت المتبقي لهذا الحيوان أن يعيشه”
-تقول مينج كيو دونغ مديرة هذا البحث.
كلما عملت الميتوكندريا أكثر، كلما كانت الحياة أقصر
بدأت القصة في 2008 عندما قامت مينج كيو دونغ و فريقها بتطوير تكنولوجيا التوسيم الفلوري للمشتقات الأوكسجينية التفاعلية. خلال مشاهدتهم للخلايا بالمجهر، اكتشفوا أن الميتوكوندريا ترسل في فترات منتظمة نوعا من حزم هذه المشتقات تسمى “ميتوفلاشس”.
تردد هذه الميتوفلاشس يمثل مؤشرا جيدا للنشاط الأيضي للخلية. تصبح هذه الأخير عند الدودة أشد في فترتين أساسيتين من حياتها، في بداية سن البلوغ و في مرحلة الشيخوخة. أراد الباحثون هذه المرة أن يعرفوا إن كان تردد الميتوفلاشس يمكنه أن يدلنا على طول حياة الحيوان. لهذا السبب قاموا بقياس هذا العامل عند دودات مدة حياتها قصيرة “21 يوم” أو شهر على الأقل. “كنت أتوقع أن الانفجار الثاني للميكروفلاشس سيكون أشد، تقول الباحثة. لكني كنت مخطئة تماما.” في الواقع اتضح أن الأولى هي المؤشر الأحسن لمدة حياة الحيوان. فعلا، الديدان الخيطية التي تعيش في المعدل 21 يوم تميزت بميتوفلاشس أكثر من الأخرى عند الدخول في سن البلوغ.
ينبوع الشباب عن قريب؟
و لتأكيد هذه النتائج طور العلماء عدة ديدان طافرة لديها مدة حياة مختلفة. العلاقة كانت عندئذ تامة: كلما كانت حياة الدودة طويلة كان تردد الميتوفلاشس أدنى و العكس صحيح.
أخيرا، مؤلفي البحث قاموا بتعديل دودة طافرة ذات مدة حياة طويلة لإنتاج كمية أكبر من المشتقات الأوكسجينية التفاعلية. كانت نتيجة هذه العملية زيادة تردد الميتووفلاشس و تقصير مدة حياة الحيوان. “بحثنا يقوي فكرة نظرية الشيخوخة عن طريق الميتوكندريا“، ختمت الباحثة. لكن للإنتقال من الديدان للإنسان هناك خطوة يجب اجتيازها. مازالت هناك أبحاث كثيرة يجب القيام بها لفهم كل أسرار شيخوخة الخلايا و تطوير دواء للشباب الدائم.