أظهرت دراسة حديثة أُجريت على حفريات لإنسان نياندرتال (Homo neanderthalensis) عُثِر عليها في موقع Figueira Brava في البرتغال، والتي يعود عمرها إلى 86-116 ألف سنة، أظهرت أن هذه المجتمعات كانت محبة للمأكولات البحرية، كما هي الحال مع نوعنا (Homo sapiens)؛ إذ أظهرت الدراسة أن الرخويات والقشريات والأسماك والطيور والثدييات البحرية مثل الدلافين والفقمات كانت تشكل نحو نصف حمية أولئك الأقارب البائدين.
اكتُشفَت بقايا عظام للكائنات البحرية إضافةً إلى قشورها، وهذا يشير إلى أن مجتمع النياندرتال كانوا يأكلونها إلى جانب غذائهم التقليدي، الذي كان مرتكزًا على الغزلان والماعز.

تكمن أهمية هذا الاكتشاف في فهم الدور الذي أدّته الأحماض الدهنية، التي تحتويها هذه الكائنات البحرية، في تطور العمليات والوظائف الذهنية والفكرية للإنسان الحديث، ويبدو جليًا أن نظريات الفجوة السلوكية بين النياندرتال والإنسان الحديث أضحَت محط الشكوك بعد تراكم الأدلة على وجود ثقافة مادية لدى النياندرتال وأنهم كانوا -إلى حد ما- قادرين على استخدام المنطق والرموز.
تشير الأدلة الجيولوجية بالموقع إلى أن صيادي النياندرتال كانوا يسكنون على مسافة 2 كيلو متر من الساحل، ومع وجود كميات كبيرة من مخلفات الطعام، يعني ذلك أنهم كانوا يستخدمون السلال من أجل استجلاب الطعام البحري ونقله، في الوقت الذي اعتبرت فيه هذه الخصائص ميزة حصرية لمجتمعات الإنسان الحديث وليس شيئًا تشاركناه مع النياندرتال، وهذا يقودنا إلى الغموض الذي يكتنف ثقافة النياندرتال، وبالأخص إذا عرفنا أن مثل هذه السلوكيات التي تخص النظام الغذائي لا تختلف كثيرا عن تلك لدى أسلافنا.

دراسة مثل هذه السلوكيات لها دور كبير في فهم تطور المجتمعات الإنسانية، ولكن يظل تحديد الزمان والمكان التي تطورت بها مثل هذه السلوكيات يشكل تحديًا كبيرًا أمام علماء الأنثروبولوجيا.
وعلى الرغم من الشمولية التي تتصف بها الدراسة؛ لا يزال لدينا الكثير لمعرفته عن هذا الجانب من ثقافة النياندرتال، ويظن العلماء أنه كانت هناك تجمعات أخرى من الصيادين من نفس النوع، غير أن أثارها انجرفت مع الماء بسبب ارتفاع مستويات سطح البحر في خلال ذوبان الجليد في خاتمة العصر الجليدي الأخير قبل نحو 12 ألف سنة، وفي النهاية؛ بفضل هذه الدراسات نكتشف أننا لا نختلف كثيرًا عن أقاربنا النياندرتال.
المصدر: sciencealert
- ترجمة: نوار منتصر القماطي.
- مراجعة: محمد علي.
- تدقيق لغوي: نور عبدو.