اقتَرحَ الباحثون البَحث عن تأثير الجُسيمات التي تتذبذب بانتظام كالساعة؛ لمَعرِفة إذا ما كان هناك كون قَبل الانفِجار العَظيم، وفهم كيفية تَطوره بعد نُشوئه.
النَظرة السائدة حاليًا في علم الكَونِيات أنَّ الكون شَهِد في اللحَظات الأولى انفِجارًا هائلًا من التوسع، وهو ما يُعرف بالتَضخُم “inflation” أو التوسع المُتسارع الموجز، وفي أثناء التوسع المُفاجئ تَوسع الفَضاء بِسُرعة تفوق سُرعة الضوء.
يُمكن للتَضخم أَن يُساعد في حل العَديد مِن الأَلغاز عن بُنية الكون وتطوره، على سبيل المِثال يُمكن للتَضخُم أن يسوي تركيب الكَون (يخفض الاختلافات فيه)، مُوضحًا لماذا يَبدو الكَون تقريبًا متشابهًا في الاتِجاهات كافة.
قال آڤي لوب Avi Loeb وهو مُؤلف مُشارك في هذه الدراسة وأُستاذ عِلم الفلك في جامعة هارفرد: “مع ذلك فإنَّ مُنتقدي نَظرية التَضخُم في عِلم الكَونيات يجادلون في أَنَّها تَحتاج إلى ظُروف بِداية غير مرجحة للكَون، يحتاج التوسع المتسارع (التضخم) إلى نماذج مصطنعة بكثرة من أَجل شَرح آخر البَيانات لخَلفِية إشعاع الخلفية الميكروية الكوني (cosmic microwave background radiation) التي تُعد أَقدم ضَوء في الكَون“.
قال لوب لموقع space.com: “ لقَد تم استِبعاد النَموذج الأكثر طبيعية ومعقولية للتَضخُم، وهناك نظرية مرنة جدًا للتَضخُم بإِمكانها التكيف مع أي سيناريو، فيَكون كُل شيء مُمكن، تبدو مقلقة قليلًا؛ فقوة النَظرية العِلمية هي أنه بإِمكانها التَنَبؤ بمُخرجات مُعينة واستِبعاد أُخرى“.
وقال لوب: “طَوَّر العُلماء نَماذِج كَونية أُخرى مُختلِفة جدًا، فقد تَتَمكن من حلِّ ألغاز الكَون نفسه التي حلَّها نموذج التَضخُم، على سَبيل المثال التضخم يفترض أنَّ الكون ابتدأ نقطة متفردة وهي نُقطة ذات كَثافة لا نِهائية من المادة والطاقة، نظريًا المتفردات تحني نسيج الفَضاء والوقت إلى ما لا نهاية، ولا شيء مَوجود قبل الانفِجار العَظيم حتى الوقت، ومَع ذلك هُناك نَموذج كَوني آخر يُشير إلى أنَّ الكَون ولد من “الارتِداد الكبير” Big Bounce وتَوسع للخارج بعد انهِيار كَون بِدائي في السابق، وفي نموذج التضخم فإنَّ هذا النَموذج باستِطاعته أن يَشرح لماذا يبدو الكون بهذه الطريقة.
الآن لاتِخاذ القرار بين التَضخُم والمقتَرحات الأُخرى اقتَرح Loeb وزُملاؤه عمل فحص لرُؤية إذا ما كانوا جزئيًا على خطأ.
قال Loeb: “ يُحرز العِلم تَقدُمًا مع الأَدلة، ليس بالاعتِقادات والتَكهُنات لذلك نُريد أن نَجد أدلة لنُقنِع أَنفُسنا بأنَّ سيناريو أو آخر هو ما حصل“.
قال تشونغ تشى شيانيو Zhong-Zhi Xianyu وهو مُؤلف مُشارك في هذه الدراسة في جامعة هارفرد، في تصريح له: “المِفتاح لهذا الاختبار هو كيف يُمكن للكَون أَن يَتصرف في هذه النَماذج الكَونية المُختلفة، يُشير التَضخُم إلى أنَّ الكَون يَتَوسع بتضاعُف مُستَمر، بينما يفترض الارتداد الكبير أنَّ كونًا بدائيًا تَقلص ثُم تَوسع كَوننا الحالي، اقتَرحت بَعض النَماذج بِأنَّ أي تَغيُّر في الحَجم حدث بِشكل بَطيء، بَينما اقتَرح آخَرون أَنَّه يحدث بسرعة بالغة”.
إذا كان كَون بِدائي قد وُجد قَبل كَوننا الحالي، فيقترح فهمنا الحالي للفيزياء أنه كان مِن المُمكن للجُسيمات الضخمة أن تَكون مَوجودة وأن تَكون قد تذبذبت على تَردد مُنتظم مشابه لتَأرجح بندول الساعة ذهابًا وإيابًا، وتَقلبات هذه “الساعات القِياسية البدائية” كانت لتنتج مِن شذوذات (irregularities) صغيرة في كَثافة المادة من قياسات صغيرة جدًا يُمكن أن تُصبح اللبنات الأساسية للبنى في المقياس الكوني في كوننا بعد التمدد.
قال شينغانغ تشن Xingang Chen المُؤلف الرئيسي للدَراسة في جامعة هارفرد في تصريح له: “إذا تَخيلنا المَعلومات التي تَعرفنا عليها إلى الآن عما حدث قبل الانفِجار العظيم في قائمة من الإطارات(الصور) المكوِّنة لفيديو، فتُخبرنا الساعة المعيارية كيف يمكن تشغيل تلك الصور“.
إذا وُجِد كَون بدائي منذ زمن ما، سَيضغط انهياره الساعات القِياسية البِدائية بِطُرق يمكن اكتشافها ضمن بُنية الكَون الحالي.
قال Xianyu في هذا البيان: “إذا عُثر على نَمط إشارات تُمثل تقلص الكون، سَيؤدي ذلك إلى دَحض نظرية التَضخُم بالكامل“.
قال loeb “هناك العَديد مِن مَجموعات البَيانات الحالية والمُستقبلية التي يُمكن للباحثين تَحليلها للبحث عن تلك العلامات البارزة، أَحدها يَتضمن دِراسات على نِطاق واسع للفضاء كدراسة سلون الرقمية للفضاء Sloan Digital Sky Survey ، والدراسة القادمة عن الطاقة المظلمة Dark Energy Survey، وأيضًا دراسة واسعة المجال لتلسكوب الأشعة تحت الحمراءWide Field Infrared Survey Telescope (WFIRST) أو تلسكوب المسح الإجمالي الكبير Large Synoptic Survey Telescope (LSST) “، وأضاف يمكن أيضًا للعلماء أن يَنظروا إِلى خَلفية أَشعة الميكروويف الكَونية.
قال Loeb: “حَددنا تفاصيل ملحوظة يمكن أن تَستَبعد التَضخُم”، هذا ممكن لحد بعيد أن التضخم حدث بالفعل، ولكن من الجيد دائمًا أن يكون لديك القدرة على مَعرفة ما إِذا كانت الأَفكار الشائعة صَحيحة أيضًا“.
فَصل العُلماء اكتِشافاتهم في الورقة التي تَمت المُوافقة عليها مِن مَجلة رسائل المراجعة الفيزيائية Physical Review Letters، المُتوفرة حاليًا على مَوقعهم الإلكتروني ArXiv.
- ترجمة: نبيل كايد.
- مراجعة: رولان جعفر.
- تدقيق لغوي: سماء مرعي.