حصلت فرانسيس أرنولد Frances Arnold من معهد كاليفورنيا للتقانة على الجائزة لأبحاثها عن “التّطور المُوجّه للأنزيمات” مناصفةً مع كل من السير جريجوري ونتر Gregory Winter من جامعة كامبردج و جورج سميثGeorge P. Smith من جامعة ميسوري عن أبحاثهم في استغلال العاثيات bacteriophages في إنتاج البروتينات والأجسام المُضادة” phage display of peptides and antibodies.
الأنزيمات هي مواد كيميائية معقدة قادرة على أداء وظائف محددة للغاية، لقد حاول الكيميائيون قبل أرنولد إنشاء أنزيمات اصطناعية تؤدي المهام التي يريدها البشر ، مثل إنتاج دواء مُكلف في المصانع. لكنّ تعقيد الأنزيمات أحبط الكيميائيين الذين يحاولون تقليد قدرات الطبيعة، ولم يستطيعوا القيام بذلك.
كانت لدى أرنولد فكرة مختلفة: فبدلاً من تصميم الأنزيمات الاصطناعية ، لِمَ لا تُدخِل طفرات في الجينات التي تُنتِج الأنزيمات؟ إذا أَعطيت الكثير من الخلايا أنواعًا مختلفة من الطفرات ، فإنّها تُنتِجُ جميعًا أنواعًا مختلفة قليلًا من الأنزيمات. ثمّ يُمكِنُنا اختيارُ الأنزيم الذي يؤدي مهمة أفضل قليلاً من ما هو موجود في الطبيعة، واستخدامها لتقديم المزيد من الطفرات. بهذه الطريقة، وبعد عدة أجيال، يمكن أن يتم تصميم الأنزيم ببطء؛ ليقوم بالعمل الذي نحتاجه.

منذ تسعينيات القرن الماضي، استخدم العديدُ من الناس تقنيات أرنولد، بما في ذلك أرنولد نفسها؛ لإنشاء أنزيمات لا يمكن أن تُنتِج فقط المستحضرات الصيدلانية، ولكن القيام بالتفاعلات الكيميائية التي لم تكن موجودة من قبل. كما سمح لنا استخدام مثل هذه الأنزيمات بخفض استخدام الموادّ الكيميائية الضارة. واستخدمت أرنولد أنزيمات؛ لتحويل السكريات إلى كحول يمكن استخدامه كوقود حيوي، وهو بديل يمكن أن يساعدنا في التخلص من الوقود الأحفوري ومن المحتمل أن يُخفّض انبعاثات الكربون.
تقول أرنولد المختصة بالهندسة الكيميائية: “إنّ أغلبَ العلماء لم يكونوا متحمسين في البداية لفكرة استحداث عدد كبير من البروتينات بالتطفير، ثم اختيار الأقرب للشكل المطلوب من بينها و إعادة الكرّة من جديد، بالنسبة للكثيرين كان هذا غير مُجدٍّ، لكني مهندسة، فقط المهندسين من يفعلون ذلك”.
على الناحية الأخرى، اتّخذَ سميث وونتر نهجًا مختلفًا قليلًا لاستخدام التّطور، في ثمانينيات القرن الماضي ابتكر سميث طريقةً لاستخدام العاثيات التي تُهاجم البكتيريا وتسطو على عمليات الأيض الخاصة بها في إنتاج بروتينات معينة وإبرازها على جدارها الخارجي، ساعدت هذة الطريقة الباحثين في مجال إنتاج الأجسام المضادة وحيدة النسيلة monoclonal antibodies على اختيار الأجسام المضادة المناسبة، وتحديد أي بروتين ترتبط به هذة الأجسامن فأخذ ونتر هذه التقنية لآفاق جديدة، إذ استخدمها لإنتاج أجسام المضادة شديدة التخصص، ممّا مَكّنَ الباحثين من معرفة أي جينات بالضبط هي التي تُنظّم هذه العملية، والتي يُمكننا استخدامها لإنتاج أجسام مضادة لأي بروتين على وجه الأرض.

فعلى سبيل المثال مَكنتنا تقنية سميث- ونتر من إنتاج أجسام مضادة تستهدف عامل تَنَخُّر الأورام ألفا TNF-α، والذي يؤدي دوراً في أمراض المناعة الذاتية، تم إنتاجها باسم أداليموماب adalimumab الذي أثبت كفاءةً في علاج إلتهاب المفاصل الروماتويدي rheumatoid arthritis، والصدفية psoriasis والتهابات الأمعاء inflammatory bowel disease.

يقولُ ونتر:” إنّه لم يتوقع أن تكون هذه التقنية ناجحة تجارياً، خلال عقد التسعينيات كانت شركات الأدوية تدار من قبل الكيميائيين، فكان الدواء عبارة عن مادة كيميائية، والأمر بهذة البساطة، فلم يصدق أحد وقتها أن الأجسام المضادة يمكن أن تصبح دواءً قابلاً للتداول، ولكن هذا المجال ينمو اليوم بشكل مطرد، ويضيف أن فريقه الآن يعمل على مركبات شبيهة بالأجسام المضادة تُعرف باسم الدراجات bicycles، لديها خواص دوائية مختلفة عن الأجسام المضادة تمكنها من الاختراق العميق للأنسجة و الأورام.
إنّها قفزة عظيمة في تسخير المعارف الأساسية لعلم الأحياء في خدمة البشرية و جعل مستقبلها أكثر ازدهاراً.
- ترجمة: نديم الظاهر.
- مراجعة: محمد علي.
- تدقيق لغوي: سماء مرعي.