غالبًا ما تُعرَّف فيزياء القرن العشرين من خلال رمزين من أقوى الرموز تمثلا في نظريتي النسبية العامة وميكانيكا الكم (في عامي 1915 و1925 على التوالي). لكن في ربيع عام بين هذين التاريخين هو عام 1918 بالتحديد، قدم إلى العالم رمز آخر قادر على تحديد فيزياء القرن العشرين بمفرده؛ كان هذا الرمز -ولا يزال- ريتشارد فاينمان الذي غادرنا منذ نحو 32 سنة عن عمر يُناهز الـتاسعة والستين.
ولد فاينمان في مدينة نيويورك في 11 أيار (مايو) 1918 م في مدينة نيويورك بالولايات المُتحدة الأمريكية، كان أثر والديه على تنشئته جميلًا جدًا؛ لم يعلمه والده ميلفيل الحقائق بقدر ما علمه طرح الأسئلة، وحثّه على تحديد ما يجهله لا ما يعرفه، صاقلًا جوهرَ أسلوب فهمه بسؤاله المطلق عمّا يجهل مُحررًا نفسه من قيود الحكمة التقليدية. تعلّم أن من الوارد جدًا –بل ومن الطبيعي- أن يعيش الإنسانُ على وقع أسئلةٍ مهمة لا إجابات لها؛ فالأسئلة الجيدة هي الأكثر أهمية للمعرفة أما الإجابات فستنتظرُ بصبر جميل لاكتشافها.
أضف أن والدته لوسيل غرست فيه حس الفكاهة وهذه صفة من الأهمية بمكان قد يُعادل أهمية كونه عالمًا! فبينما زوّده والده بالأدوات المُساعدة له في شق طريقه، علمته والدته أن يضحك بصوت عالٍ مانحةً إياه الشجاعة والثبات في تقدمه؛ وقد قال فاينمان في ذلك: “على الرغم من أن أمي لم تكن تعرف شيئًا في العلم، فقد كان لها تأثيرٌ عظيمٌ علي. حسُّ الدُّعابة الذي كان لديها مُدهش؛ وقد تعلمتُ منها أنّ أرْفَع صور الفهم الممكن تحقيقُها هي الضحك والتعاطف الإنساني”.
درس في معهد ماساتشوستس للتقنية (MIT) حيث حصل على درجة البكالوريوس في عام 1939، وأكمل دراسته العُليا في جامعة برينستون حيث حاز درجتي الماجستير والدكتوراه في عام 1942؛ وفي هذه الأثناء قابل توءم روحه آرلين غرينياوم التي شاركته ذوقه في الحياة وأصبحت أكثر المقربين إليه ثقةً في كل التفاصيل، إلا أن لمرض السل الذي أصابها رأيٌ آخر فقد اشتدت أعراضه لديها وثبتت إصابتها ليقرر بعدها فاينمان أن الأمر الوحيد الذي يتبقى له في الحياة هو أن يتزوجها ويتعهد برعايتها والاهتمام بها على الرغم من معارضة عائلته لذلك، وهكذا صارت زوجته و”المرأة الفكرة” والمحفزة لكل مغامراتهم المثيرة على حد تعبيره في رسالته التي كتبها إليها بعد أن انتشلها مرض السل من حياته في سن الخامسة والعشرين.
شارك فاينمان في مشروع منهاتن الشهير بقيادة الفيزيائي روبرت ويلسون لتطوير القنبلة النووية والذي بدأت الولايات المتحدة الأمريكية فيه بعد أن دخلت في خضم الحرب العالمية الثانية، في لوس آلموس في صحراء نيو مكسيكو.
المصادر: feynman – nobelprize
- إعداد: نور عبدو.