إنها ليست روبوتات تقليدية أو فصيلة من الحيوانات؛ وإنما نوعٌ جديدٌ من الصناعات البشرية: هي كائنات حية مُبرمَجة!
تعتمد مُعظم المصنوعات التكنولوجية الحالية على الصُلب أو الأسمنت أو البلاستِك أو مواد كيميائية وهي موادٌ تتحلل مع مرور الوقت مُنتجةً آثارًا ضارة على الصحة العامة والبيئة، لذا؛ من الضروريّ أن نتبنى لونًا جديدًا من التكنولوجيا المُعتمدة على مواد صديقة للبيئة ومُتجددة ذاتيًا؛ فما أفضل المواد المُرشحة لذلك؟
هل يوجد ما هو أفضل من الأنظمة الحية بذاتها لتكون لُب الصناعات التكنولوجية؟ وفي سبيل تحقيق ذلك توصل باحثون في جامعة فيرمونت (Vermont) إلى وسيلة تُمكنهم من بناء آلات بيولوجية من الصفر بمساعدة برامج محاكاة وتطبيق خوارزميات (Algorithms) على حواسيب فائقة (Super computers)*؛ إذ تُبنى التصميمات المُناسبة عبر ضم أنسجة خلوية مُختلفة بعضها مع بعض مُكوِّنةً الـ Xenobots؛ على غرار مُكعبات الليجو-LEGO.
الـ Xenobots هي الروبوتات البيولوجية الصُنع الأولى من نوعها في العالم والقادرة على الترميم الذاتي؛ فقد صُنعت من الخلايا الجذعية-stem cells* لنوع من الضفادع يُسمى (القيطم الأفريقي-Xenopus laevis) والتي أخذت اسمها منها.
يُقدر عرض تلك الروبوتات بأقل من 1 ملليمتر (0.1 سم) ما يجعلها صغيرة بما فيه الكفاية للتحرك داخل جسم الإنسان ،حيث تُجمَع معًا ويُعاد تشكيلها لتتخذ أنماطًا مُعينة تم تصميمها بواسطة الحواسيب الفائقة؛ إذ يُعيّن العلماء الصفات المرغوبة لتقوم الخوارزمياتُ بدورها بتكوين الآلاف من الأشكال/الأنماط التي يتم تصفيتها إلى أكثر الأشكال المناسبة لتحقيق الصفات المطلوبة كالقدرة على الحركة أو نقل الأجسام مثلًا ثم اختيار التصميمات الواعدة وبناءها فعليًا بواسطة ملقاط مجهري (Microscopic forceps) وقطب كهربائي.

وما أن يتم ذلك حتى تعمل تلك الخلايا بذاتها حيث تتكون من خلايا جلدية مكونة هيكل الروبوت وخلايا عضلات قلبية نابضة مسؤولة عن حركة الروبوت الدافعة، ويتم ذلك على النحو المُختصر الآتي:
تُزرع البويضات المُخصبة -مكونة جنين | embryo- لضفدع القيطم في محلول رينجر مُعدل (Marc’s modified ringer’s solution)، وتنقسم إلى أن تصل إلى طور معين يُعرف بالأريمة(blastula)ثم يتم الإستئصال يدويا بملقاط جراحي (surgery forceps) لأحد أقطاب هذا الطور (القطب الحيواني-animal cap)؛ وهو معروف بمعدل انقسامه السريع، ثم يُنقل إلى وسط غذائي مناسب بعد إزالة الطبقة الخارجية للجنين (ectoderm) ثم يتتابع انقسام الطبقة الداخلية إلى أن تتمايز إلى الهيكل الخارجي للروبوتات المطلوب والذي يتم تشكيله بالملقاط المجهري و أقطاب كهربائية. أما عن الحركة الدافعة فيتم حقن الجنين-embryo بـ mRNA صناعيّ (الحمض النووي الريبوزي الرسول) كي يتمايز في النهاية إلى نسيج عضلي قلبي يتم تجميعه بخلايا الهيكل السابق ذكرها بواسطة الملقاط المجهري ولحمها بواسطة أقطاب كهربية و تُترك إلى أن تتلائم.
كما أنها تمتلك القدرة على الترميم الذاتي؛ فعندما أحدثَ الباحثون قَطعًا بالروبوتات قامت بالإلتئام وأكملت حركتها. تأتي تلك الروبوتات مُحملة بمخزونها من البروتينات والدهون لتعيش مدة تصل إلى ما يُقارب الأسبوع؛ ولكنها قد تصل إلى عدة أسابيع إذا كانت بيئتها غنية بالغذاء على الرغم من عدم قدرتها على التكاثر أو التطور.
ولتلخيص ما سبق ذكره يمكنكم الإطلاع على الفيديو:
تُعد الـ xenobots وسيلة واعدة في التخلص من المُخلفات المُشعة، وتجميع المواد الميكروبلاستيكية، وإزالة الرواسب (مثل الكوليسترول) من داخل الشرايين بالإضافة إلى قدرتها على الحياة في البيئات المائية دون غذاء عدة أيام؛ ما يعطيها إمكانية نقل الدواء داخل جسم الإنسان بمثابة نظام آمن لإيصال الدواء (Drug delivery system)، وعلى نحو مثير للاهتمام؛ عندما وُضعت الـXenobots في بيئة مليئة بالأجسام المُبعثرة قامت تلقائيًا بالحركة المُشتركة في أشكالٍ دائرية ودفع تلك الأجسام نحو منطقة واحدة؛ مما يُلقي ضوءًاعلى نحوٍ أوسع على تمكن الخلايا من التواصل والعمل فيما بينها.

وحسب قول خبير الروبوتات جوشو بونغارد (Joshua Bongard) المُشارك في البحث: “إنها ليست روبوتات تقليدية أو فصيلة من الحيوانات؛ وإنما نوعٌ جديدٌ من الصناعات البشرية: هي كائنات حية مُبرمَجة”. بالإضافة إلى كونها مُصنعة من مواد بيولوجية بالكامل يجعلها آمنة للبشر والبيئة؛ فعند نفاد المواد الغذائية الخاصة بها تتحول إلى كتلة صغيرة من الخلايا الميتة التي تتحلل بيولوجيًا.
مع تقدم قدرتنا على صناعة أجسام بيولوجية ثلاثية الأبعاد حسب الطلب؛ يجعل لتلك الدراسة الأثر المهول في مجال الطب التجديدي-Regenerative medicine وهو الطب المختص ببناء وتعويض أجزاء من جسم الإنسان.
حاشية:
*خلايا جذعية-stem cells: هي خلايا غير متخصصة قادرة على النمو والتمايز إلى أي نوع من أنواع الخلايا.
*حاسوب فائق-super computer:هو أحد أنواع الحواسيب التي تستخدم لمعالجة كم هائل من المعلومات، ولا تصلح للاستخدام الشخصي.
المصادر: pnas – sciencealert – wreg
- إعداد: عبد الفتاح حسن.
- مراجعة: نور عبدو.