عادةً ما تبدو الجزيئات المتواجدة بالوسط المُذيب للوهلةِ الأولى غيرَ مُشاركةٍ في التفاعل الكيميائي بشكلٍ أساسي؛ ولكنْ -مؤخرًا- ظهرت إحدى الدراسات التي تؤكّدُ أنه حتى تلك الجزيئات والتي لا تساهمُ بالتفاعل بشكلٍ مباشر تتمتّعُ بأهميةٍ خاصّة ويمكنها التأثيرُ بشكلٍ كبيرٍ على المواد المُتفاعلة. وتوصّل الباحثون لذلك عن طريق دراسة تكوّن إحدى الإيثيرات في المُذيبات النقيّة ومخاليطها. حيث قاموا بتوضيح الآليات الكامنة وراء هذا التفاعل بالتفصيل وذلك بالاستعانة ببعض التقنيات الطيفيّة والنظريّة المُتقدمة.
الضوء يُنشّطُ التفاعلية
يمكنُ بضوء فلاش صغير تحويل مادة خاملة كيميائيًا إلى جزيء عالي النشاط، والذي بدورهِ يتفاعلُ مباشرةً مع جزيئات المُذيب المُحيطة، وهذا التحوّل يمكنه الحدوث في جزء من مليار جزء من الثانية الواحدة. وكمثالٍ على ذلك، جزيء ثنائي فينيل الكربون والذي يتفاعل سريعًا مع الإيثير في وجود الميثانول كمُذيب، بينما لا يمكنُ حدوث هذا التفاعل عندما تكون مادة الأسيتونتريل هي المادة المُذيبة.
قام الباحثون وعلى رأسهم د. Elsa Sanchez-Garcia و أ.د. Patrick Nürnberger بفحصِ ما يحدثُ عندما يتواجد جزيء ثنائي فينيل الكربون في خليطٍ من محلوليّ الميثانول والأسيتونتريل، ووُجدَ أنَّ الإيثير يكونُ أبطأ نسبيًا في التكوّن بهذا الخليط عن تكوّنه في محلول الميثانول النقي، بالإضافة إلى صغر كمية الإيثير الناتجة. وفي هذه الدراسة التي نحن بصدد الحديثِ عنها، أوضح الباحثون سببَ هذا الاختلاف.
الجزيء الثاني من المُذيب يلعبُ دورًا حاسمًا
تقولُ إحدى التفسيرات المُحتملة أنه في حالة وجود الخليط كمُذيب، تضطرُّ جزيئات ثُنائي فينيل الكربون للبقاءِ فترةً أطول حتى تقترب منها جزئيات الميثانول وتتمكّن من التفاعل معها.
وعلى الرغم من أنه قد يبدو أنَّ جزيئًا واحدًا فقط من الميثانول يكونُ ضروريًا لتكوين جزيء الإيثير النهائي، إلا أنَّ هذا التفاعل -في الواقع- لا يتمُّ إلا في وجود جزيء آخر من الميثانول. جديرٌ بالذكر أنَّ هذا الاكتشاف جاء نتيجةً لاستخدام مجموعة من التجارب الطيفيّة فائقة السرعة في مدى الفيمتوثانية، بالإضافة إلى المحاكاة الديناميكية الجزيئية مُتعددة النطاقات.
ليست جزيئات مُهمَلة أبدًا
يشرحُ الكيميائيون بدقةٍ الآليات التي يتّبعها التفاعل بطريقتين: في إحداهما، يتفاعل جزيء ثنائي فينيل الكربون أولاً مع جزيءٍ واحد من الميثانول ثم يُضاف جزيءٌ آخر بعد ذلك. أمّا في الطريقة الأخرى، يتفاعل جزيء ثنائي فينيل الكربون مباشرةً مع مُركّبٍ من جزيئات الميثانول.
وفي كلتا الحالتين، نجدُ أنَّ الجزيء الواحد من الميثانول لا يكون كافياً لبدء التفاعل الكيميائي. وهذا يوضّح أنَّ جزيئات الميثانول الأُخرى لا تكون مُهمَلةً أو بلا أهميةٍ في التفاعل، بل تساعدُ في حدوثهِ وإتمامه.
ويلخّصُ Nürnberger كل هذا فيقول: “تُعدُّ تلك النتائج جزءًا هامًا من فهم آلية تفاعل المواد النّشِطة مع وَسَط المادة المُذيبة”.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- إعداد: نديم الظاهر.
- مراجعة: سارة تركي.
- تدقيق لغوي: مروى بوسطة جي.