in

ماذا يحصلُ داخل أدمغة المراهقين؟

قراءة في كتاب: «دماغ المراهقين، دليل علمي لرعاية المراهقين والشباب»

يتناولُ الكتابُ مرحلةَ المراهقة من وجهة نظر علم الأعصاب والدماغ، وهو مقسَّمٌ إلى عدَّة أبواب (بناء الدماغتحت المجهرالتعلُّم لدى المراهِقالنومالمجازفةالتبغالحشيشالمخدراتالتوترالأمراض العقلية – الغزو الرقمي لدماغ المراهقالإختلافات الجندريَّةالرياضة وارتجاج الدماغالجريمة والعقابما وراء المراهقة لم ينتهِ بعدأفكار أخيرة).

ماذا يحصلُ داخل أدمغة المراهقين؟

وتعمدُ «د. فرنسيس» (بالتعاون مع «آمي إليس نات»)  – وهي أم لمراهِقَيْن – إلى معالجة كلِّ موضوع من هذه المواضيع بالإستنادِ إلى آخر ما توصَّلت إليه أبحاثُ الدماغ، فتذكرُ السِمات التي نلاحظها لدى المراهِق وتفسِّرُ أسبابَها وطريقة معالجتِها أو التعامل معها من خلال شرحِ التغيُّرات التي تطرأ على دماغِ المراهق، فـــ «دماغُ المراهق مليءٌ بالتناقضات والمادة الرماديَّة فيه وفيرة (العصبونات التي تشكِّلُ البنية الأساسيَّة للدماغ) في حين يوجد شح في المادة البيضاء (الروابطُ التي تساعدُ في تدفُّقِ المعلومات بفعاليَّةٍ من جزءٍ من الدماغ إلى آخر)»، وكذلك فإنَّ مركز «داونستيت» الطبي في جامعة ولاية «نيويورك» ذكر أنَّ هرمون «تيترا هايدرو بريغنانولتون» («تي إتش بي»، THP) الذي يتمُّ إفرازه عادةً كاستجابةٍ للتوتر بغية التخفيف من القلق فيعمل كمهدِّئٍ للدماغ وينتج تأثيرًا مهدِّئًا لحوالي نصف ساعة بعد الحدث المسبِّب للتوتر، هذا الهرمون له تأثيرات عكسيَّة لدى المراهقين حيثُ يزيدُ من القلق بدلًا من تخفيفه.

وكذلك، فإنَّ «د. فرنسيس» تقرنُ هذه المعلومات بسردِ وقائع أو أحداثٍ عايشتها خلال قيامِها بعملِها كطبيبة أعصاب وأستاذة ورئيس قسم الأعصاب في كليَّة الطب في جامعة «بنسلفايا»، وأيضًا تُقرِنُها بأسئلةٍ موجَّهة إليها من قِبل بعض الأهالي وكيف أجابت عنها، منها قصة «نانسي ج. وايت» التي نُشِرت في مجلة «تورنتو ستار» عام 2010: «في سن السابعة عشرة وأنا جالسة في القبو مع أصدقائي ندخِّن الحشيش، لاحظ «دون كرابيل» جميعَ الكاميرات التي تتجسَّسُ عليه ثمَّ اقتنع أنَّ هناك رقاقة إشعاعيَّة مزوَّرة في رأسه وشرح لنا: «أظنُّ أَّنني مراقب كفأرِ تجارب»! ولم يخطر بباله قط أنَّ الماريجوانا قد تكون تعبثُ بدماغِه، فــ «كورييل» كان يدِّخنُ الحشيش منذ سن الرابعة عشرة لتتزايدَ عادتُه مع مرور الوقت. وفي إحدى المرات، عثرت عليه الشرطة يتكلَّمُ بكلامٍ غيرِ مترابط فأحضروه إلى المستشفى حيث تمَّ تشخيص حالته على أنَّها ذهان بسبب الحشيش. وكان «كورييل»  يتعاطى مخدرات أخرى كالأسيد وإكستاسي لكنَّ المارجوانا هي النوع الرئيس».

اللافتُ في هذا الكتاب أيضًا ذكرُ الوقائعِ التاريخيَّة لتطوُّرِ المواضيع المعالَجة، فــــ «إنَّ تاريخَ ألعاب الفيديو يعودُ لأكثرِ من نصف قرن، وبالتحديد إلى 18 أكتوبر 1958 في مختبر «بروكهافن» الوطني في «لونغ آيلند» حيث قدَّم عالمُ الفيزياء النوويَّة «ويليام هيغينبوثام» (وهو رئيس قسم الأدوات) فكرتَه حول كيفيَّة تقديمِ نوعٍ من التسلية التعليميَّة لتأتيَ النتيجة بأوَّل لعبةٍ إلكترونيَّة تفاعليَّة حقيقيَّة: «تنس فور تو»، وكانت هذه اللعبة تضمُّ ملعبَ «تنس» ثنائي الأبعاد على منظارِ ذبذبةٍ يشبه تلفازًا قديمًا بالأبيضِ والأسود، وكان الملعبُ مكوَّنًا من خطٍّ عموديٍّ في الوسط ونقطةٍ مضيئةٍ تتركُ أثرًا وهي تثبُّ أفقيًّا فوق الشبكة، بينما يوجِّهُها اللاعبون بالأزرارِ التي تتحكَّمُ بزاويةِ الضربة من مضرب «تنس» خفي، فاصطفَّ مئاتُ الناس للعب هذه اللعبة الإلكترونيَّة».

وما يثيرُ الإهتمامَ في هذا المجال أنَّ ببلوغ الواهقين سنة الحادية والعشرين (وخاصةً الذكور)، يكونون قد لعبوا مقدار عشرة آلاف ساعة من ألعاب الفيديو، وبحسب «مالكوم غلاوديل» في كتابه «آوتلايرز» أنَّ «عشرة آلاف ساعة هو مقدار الوقت المطلوب ليصبحَ المرء خبيرًا في أيِّ مجال، ما يعني أنَّ شبابَنا يصبحون خبراء في مجموعةٍ من المهاراتِ التي ليس لها سوى استخدام محدودٍ باستثناء أولئكِ الذين يمتهنونَ صناعة الألعاب أو الذين يشملُ عملهم الكثير من النحفيز على حهاز الحاسب، كما أنَّ عشرة آلاف ساعة فترة أطول من الفترة اللازمة للحصول على شهادةٍ جامعيَّة».

من ناحيةٍ أخرى، يتميَّزُ هذا الكتابُ بأسلوبِه المباشَر وغير المعقَّد (لِمَن يحبِّذُ هذا الأسلوب)، فالإيعازُ فيه كثير وكذلك النصائح المباشرة للتعامل مع الأحداثِ الممكنة: «لا تحاول القيام بكثيرٍ من المهام في وقتٍ واحد أي حاول أن لا تربك المراهقَ بالتعليمات»، «كن واضحًا بشأن مقدار الوقت الذي ستسمحُ فيه لطفلِك المراهق باستخدام وسائل التواصل الإجتماعي سواء عبر الإنترنيت أو برسائل نصيَّة، وأفضل سيناريو أن تحدَّ التواصلَ الإجتماعي الرقمي بساعةٍ أو اثنتين وإن لم يمتثل المراهق، صادرِ الهاتف أو إمنع استخدام جهاز الحاسب إلا لإنجاز الواجبات المدرسيَّة، كما عليكَ الإصرار على معرفة اسم المستخدم وكلمة السر لجميعِ حساباتِه»، «يجب ألا تكون الفترة التي تسبقُ النومَ مباشرةً هي المرة الأولى التي يرى فيها المراهق المعلومات، فالدماغُ لا يبدي استجابةً بهذه السرعة، وإنَّما هذا وقتٌ جيِّدٌ للمراجعة»، «حاول أن تتجنَّب الشجارَ مع المراهقين لديك قبل النوم، فذلك لا يجعلهم ينامون جيِّدًا، ويوجد احتمال أنَّك أنت أيضًا لن تنام جيِّدًا!»، «ينبغي الإعلان عن كلِّ هذه الأبحاث حول تأثير المارجوانا على دماغ المراهق ليطَّلِعَ عليها الآباء في كلِّ مكانٍ».

وتحتضنُ الصفحاتُ الأخيرة للكتاب إطلالةٌ على مرحلةِ العشريناتِ من العمر أي السنوات بين المراهقة وبداية البلوغ، والتي تمتازُ بالسِمات التالية: «الصراع بين الذات والجتمع، التناقض السائد، الإقصاء، رفض التواصل الإجتماعي، الهويَّة الخاصة بالشباب، الحركة ومقت الركود، تقدير التطوُّر، الخوف من الموت، النظرة للبلوغ والثقافات الشبابيَّة».

في النهاية، تقدِّمُ «د. فرنسيس»، وبالإستنادِ إلى كلِّ ما عالجته سابقًا، نصائحَ عامَّةً للتعاملِ مع المراهق: «كن متسامحًا مع أخطاء ابنكَ المراهق، لكن إحرص على الحديثِ معه بهدوءٍ حول أخطائه»، «لا تنصدم حين يرتكب ابنُك شيئًا غبيًّا ثم يقولُ إنَّه لا يعرف السبب. فأنتَ الآن تعرف السبب، لكن عليكَ أن تشرحَ ذلك له: كيف أنَّ الفصوصَ الأمام جبهيَّة لم تتَّصل بعضها ببعض بعد، وتذكَّر أنَّ حتَّى الأطفال الأكثر ذكاءً وطاعةً وخنوعًا سيقومون بشيءٍ غبي قبل التخرج من مرحلة المراهقة»، «تواصل مع إبنكَ المراهق وركِّز على الأمور الإيجابيَّة في حياتِه، وشجِّعه على تجربةِ نشاطاتٍ مختلفة وطُرُق جديدة للتفكير بالأمور، ولا تنسَ أن تساعدَه حين يكونُ بحاجةٍ للنصح»، «المواقع الإلكترونيَّة ووسائل التواصل الإجتماعي مكانٌ مهمٌّ للتواصل مع المراهقين، ويذكرُ بعضُ الآباء والأمهات أنَّ أهمَّ محادثاتِهم مع أبنائِهم المراهقين وأكثرها إثمارًا حصلت من خلال كتابة التواصل مع أبنائِهم عن طريق الرسائل النصيَّة، وإن كنتَ لا تعرف كيف تستخدمُ الرسائلَ النصيَّة اطلب المساعدة من مراهق».

هو رحلةٌ غنيَّةٌ إذًا في دماغ المراهق، وكيفيَّة تأثير بنية هذا الدماغ على سلوك وأفكار المراهقين بغية مساعدة الأهل والعاملين في حقل التربية والتعليم على الوصولِ إلى أحسنِ تعاملٍ مع المراهق ريثما يتخرَّج من هذه المرحلة الحسَّاسة دون أيَّةِ مضاعفاتٍ أو تأثيراتٍ سلبيِّةٍ على ما تبقى من حياته. هو كتابٌ ذاخرٌ بالمعلوماتِ المتنوِّعة البيولوجيَّة منها والنفسيَّة وكذلك التربويَّة والتاريخيَّة، وهو يتخطَّى هذه المعارفَ ليحلِّلَها ويعطيَ الإرشادات المباشرة لكيفية تطبيقِها ويقدِّمَ تجاربَ إنسانيَّةً وافرة ومرشِدة. هو كتابٌ غنيٌّ بالرسومِ البيانيَّةِ واالصُوَر الإيضاحيَّة، ويقتربُ من كُتبِ العلوم المبسَّطة. كلُّ بابٍ من أبوابِ هذا الكتابِ يصلحُ لأن يكونَ عنوانًا لبحثٍ مستقلٍّ وموسَّع، وباختصار: ننصح به!

الكتاب باللغة الأنكليزية

  • إعداد: هنادي نصرالله.
  • مراجعة: محمد علي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

علم الوراثة: «شيفرة» الطبيعة الرقمية

حوامض أكثر، مجازفة أكثر!