in ,

الكتلة الكونية: كيف يمكن تعريفها؟

من مفهوم المكان والزمان إلى مفهوم الزمكان.

بطريقتي الخاصة، لدي سلطة على الفضاء. يمكنني اختيار المكان الذي أريد أن أكون فيه: يمكنني البقاء في السرير هنا في لندن. ويمكنني الاستيقاظ والذهاب إلى مكتب Plus الجميل في كامبريدج Cambridge، ويمكنني حتى اختيار التقاط طائرة تحلق عبر الكوكب وزيارة عائلتي في أستراليا. يمكنُنّي الفضاء ثلاثي الأبعاد الذي نعيش فيه من التنقل فيه واستكشافه بإرادتي، ضمن قيود الانتقال والتكنولوجيا إضافةً إلى رصيدي البنكي.

لا نمتلك سلطة على الزمن…

ومع ذلك، فأنا لا أمتلك أي سلطة على الزمن. لا أستطيع أن أختار الزمن الذي أريد أن أكون فيه – بغض النظر عن مدى التوق إلى الماضي أو التطلع إلى المستقبل، لا يمكنني أن أكون الآن إلا في الزمن الحاضر. لا أستطيع منع مرور الوقت بشكل أسرع، أو أبطأ، أو تجميده في مكانه، بغض النظر عن مدى رغبتي في ذلك عندما أكون على كرسي طبيب الأسنان أو خلال استمتاعي بفترة بعد الظهر تحت أشعة الشمس. يتحرك الزمن إلى الأمام بلا هوادة لا محالة. ولا يبدو أن أي قدرٍ من التكنولوجيا أو المال قادر على تغيير ذلك.

يبدو هذا دليلاً مقنعًا جدًا من التجربة الإنسانية. ولكن، وفي نظرياته عن النسبية الخاصة والعامة في بدايات القرن العشرين، غيَّر ألبرت أينشتاين وبشكل جوهري نظرة العلم إلى الزمان والمكان، مما أحدث ثورة في طريقة فهمنا للكون.

نسبية الزمن: فعلى سبيل المثال تدق الساعة بشكل أسرع على قمر صناعي في مدار حول الأرض مقارنةً بواحدة أُخرى على سطح الأرض.

أما فكرة أينشتاين الثورية هي أن الزمان والمكان لا يمكن أن يكونا كيانين منفصلين ومستقلين. هما فقط التسميات التي نعطيها للأبعاد الأربعة للفضاء – نسيج كوننا.

تشوّه الجاذبية التي تحدث بسبب الأجسام الضخمة نسيجَ الزمكان، وكما تؤثر على حركة الجسم عبر المكان، وتؤثر أيضاً على حركته عبر الزمن. تبعًا للمقاييس الكونية، هنا كقوة يمكن استخدامها للسيطرة على الزمن.

الكتلة المادية للكون

عندما قام أينشتاين بتوحيد المكان والزمان في نظريته العامة للنسبية عام 1915، أعطانا طريقة جديدة لرؤية عالمنا من منظور مختلف تمامًا.

تقول مارينا كورتيز، عالمة الكونيات من المرصد الملكي، أدنبره:

“تخيل قطعة من الإسمنت لها ثلاثة أبعاد. لكننا نعيش في أربعة أبعاد: الأبعاد المكانية الثلاثة بالإضافة إلى البعد الزمني الواحد. الكون عبارة عن كتلة رباعية الأبعاد، ولكن بدلًا من كونها مصنوعة من الإسمنت، فهي مصنوعة من الزمكان. ويوجد مكان وزمان الكون في تلك الكتلة”.

لا يمكننا رؤية تلك الكتلة، نحن لسنا على دراية بها، لأننا نعيش داخل إسمنت الزمكان. كما أننا لا نعرف مدى كبر حجم الكون الذي نعيش فيه:

“لا نعرف إن كان المكان محدود أو لا. ولا نعرف إن كان للزمن بداية في الماضي أو نهاية في المستقبل. فبذلك نحن لا نعرف إن كان جزءًا محدودًا من الزمكان أو لا”.

البُعد الآخر

عدم إدراكنا للأبعاد الأخرى

لكي نتعرف على الكُتلة الكونية، علينا تخيل أن نخطو إلى الخارج نحو بُعد إضافي حيث تكون كتلة كاملة من الزمكان أمامنا. قد يبدو الأمر وكأنه أشبه بالخيال العلمي، لكن ربما نكون فقط غير مدركين لأبعاد إضافية.

تقول كورتيز: “تخيل أن النمل يعيش على السطح، وليس بإمكانه الصعود إلى الأعلى، لقد عاش دائمًا على هذا السطح. لذلك لا يمكنه تخيل شيء شبيه بما نعرفه بالارتفاع”. ولكن  إذا استطاع أحدهم، ربما عن طريق الصدفة أو بالتصميم، أن يبني شيئًا مشابهًا للبرج، فحينئذٍ سيكون هذا البعد الثالث غير المعروف سابقًا مفتوحًا أمامه لاستكشافه.

“إن الأمر متشابه إلى حدٍّ ما بالنسبة لنا. ففي علم الكونيات، كثيرًا ما نفكر في النظريات ذات البعد الخامس [بُعد مكاني إضافي]. يمكننا تخيل إمكانية ابتكار تجربة لاستكشاف وجود بعض الطاقة المتسربة إلى هذا البعد المكاني الإضافي”.

ومع أخذ ذلك بعين الاعتبار، تقترح كورتيز تخيل فتاة تدعى أليسيا تريد رؤية كتلة الزمكان هذه. وذلك بالخروج من عالمنا ذي الأبعاد الأربعة، والذهاب إلى بُعد إضافي، ثم الالتفات لأخذ نظرة شاملة على الكون.

لكن إذا خرجت أليسيا من كتلة الزمكان، ماذا سيكون مفهوم الزمن بالنسبة لها؟

النتيجة المنطقية لمفهوم الزمان والمكان الموحد بالنسبة لأينشتاين هي أنه لا يمكن إعطاء الأولوية لأبعاد معينة. ولا يوجد شيء استثنائي حول الزمن. كما أن المكان يتواجد بأكمله في هذه الكتلة، كذلك يتواجد الزمن.

تقول كورتيز:

“إن أهمية هذا لا تعني أن هناك بعدًا إضافيًا، الأمر هو أكثر من أن الزمن حبيس كتلة الأبعاد الأربعة”

لذلك تعيش أليسيا في مساحة أبدية، وعندما تنظر إلى الوراء، ترى كل ماضينا ومستقبلنا في وقت واحد.

“يمكننا أن نتخيل أنها تنظر إلينا الآن، وأنا أتحدث معك عبر سكايب وإذا نظرت قليلًا إلى الوراء، فإنها ترانا قبل أسبوعين ونحن نقوم بكتابة رسائل البريد الإلكتروني وإعداد مكالمة السكايب هذه، بل وتستطيع النظر أكثر إلى الوراء ورؤية الديناصورات التي تحكم الأرض. فهي ترى كل شيء في نفس الوقت”.

تستطيع أليسيا رؤية مستقبلنا أيضًا. يبدو هذا مفاجئًا، ولكن النتيجة المباشرة للنظرية النسبية هي نظرية حتمية. وعلى سبيل المثال افترض أن لديك شريحة خلال كتلة إسمنت الزمكان هذه، في وقت 6 مساءً في لندن 14 نيسان/أبريل 2016.

وتكمل كورتيز:

“تبعًا للنظرية النسبية يمكن التنبؤ بالمستقبل بأكمله وذلك من خلال معرفة الظروف في اللحظة الراهنة، وذلك لأن القوانين الفيزيائية [التي تحكم هذه القطعة من الزمكان] حتمية”.

“المستقبل مكتوب بالكامل، نحن فقط لا نستطيع الوصول إليه [داخل الكتلة] في هذه المرحلة”.

اقرأ أيضا: ما هو «الشيء» الذي يتمدَّدُ الكونُ ضمنه؟

الزمن: وهم.

 

أنت هُنا

إذًا، إذا كان المستقبل والماضي مشفّرين بالفعل في كتلة المكان التي نسكنها، فكيف يحتسب ذلك لتجربتنا البشرية في الحياة، ومسارنا المتكرر بذات الوتيرة عبر الزمن؟ من هذا المنظور الزمني للكتلة، فإن الزمن،كما نختبره في كتلة المكان أو الكون المادي، هو وهم.

تقول كورتيز:

“إنها ليست خاصية أساسية حقيقية للطبيعة”.

إن تأريخ الزمن، وخبرتنا في ما يتعلق بمرور الزمن، هو فقط لأننا عالقون داخل كتلة المكان أو الكون المادي، فنحن نتحرك للأمام على طول البعد الزمني.

“حقيقة أننا نتحرك إلى الأمام في الكتلة وليس خارجها تأتي من الفكرة القائلة بأن صورة الكون هذه تتعامل مع الزمن كبعد مكاني آخر فقط، يمكننا أن نخطو خطوة إلى الخارج. فالزمن ليس وحده المسيطر”.

يؤدي هذا إلى أسئلة أساسية يطرحها عُلماء الكون اليوم في نظرياتهم التي تصف طبيعة كوننا. إذا كان الكون مثل هذه الكتلة، فإن كل شيء – الماضي والمستقبل – قد حدث، وتجربتنا مع الزمن هي مجرد عملية حسابية رياضية تنشأ عن المعادلات التي تصف الكون. ولكن لماذا نختبر الحركة إلى الأمام في الزمن فقط – فلماذا لا يتدفق الزمن إلى الوراء؟ ماذا يخبرنا هذا عن الإرادة الحرة؟ أم أن هناك نظرية أخرى لوصف الكون تعيد اليقين البديهي بأن هناك شيئًا مميزًا حول الزمن؟

  • ترجمة: شذى ديبو.
  • مراجعة: محمد يامين.
  • تدقيق لغوي: رأفت فياض.

بواسطة شذى ديبو

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الكائنات الفضائية موجودة ولكن الإنسان قد يقتلهم جميعا

ما الذي يخبرنا به العلم عن وجوهنا؟