كأيّ نجمٍ آخر في جوهره، تتكون الشمس بشكل أساسيّ من ذرات الهيدروجين، التي تندمج زوجاً زوجاً لتتحول إلى الهيليوم تدريجيّاً، مُطلقةً طاقةً هائلةً بسبب هذا التفاعل. أمّا الذي يتحكم بمصيرها فهو ما يسميه علماء الفلك بـ “معدنيّتها – Metallicity“، وهي التكتّل الصغير فيها من العناصر الثقيلة. ويشرح عالم الفيزياء في جامعة ستوكهولم، في السويد، ساني فاجنوزي Sunny Vagnozzi، المتخصّص في الخصائص المعدنية للشمس:
“حتى أنّ مقداراً ضئيلاً جداً من المعادنِ بإمكانه التحكُّم بتصرّف ومصير النجم كُلّياً”. وكلّما زادت معدنيّة النجم، كُلّما ازدادت لانفاذيّته، لأنّ المعدن يمتص الإشعاع، وهذا الغموض يمتدّ إلى قدرتنا على تحديد حجم النجم، وحرارته، وسُطوعه، وفترة حياته. ويُكمل فاجنوزي: “تُخبرك مَعدنيّة النجم ببساطةٍ عن قصّة ووقت موت النجم أيضاً”.
لكنّ تضعُ لنا معدنيّةُ الشمس، بجانب افصاحها عن قِصّة وخصائص الشمس، مقياساً لمُعايرةِ وقياسِ معدنيّة جميع النجوم الأُخرى، ومنها ندرس عُمرها، وحرارتها، وجميع خصائصها الأُخرى، بل وحتى المجرّة الموجودة فيها. ويقول عالم الفيزياء الفضائية مارتن آسبلند Martin Asplund، من جامعة أستراليا الوطنية، في هذا المجال:
“إذا استطعنا تغيير المقياس المُعتمد للنظام الشمسي، هذا يعني أنّ طريقة فهمنا للكون يجب أن تتغير. لذلك، فإنّ فهمنا الدقيق لكيميائيّة النظام الشمسيّ ومركباته أمرٌ غاية في الأهميّة”.
وحتى الآن، فإنّ قياساتنا حول معدنيّة الشمس تُثيرُ أسئلةً أكثر من أن تُقدّم إجاباتٍ. إنّ عدم قدرة عُلماء الفلك على حلّ لُغز الشمس، أي “معدنيّة النظام الشمسي”، بالإضافة إلى المعلومات المتوفّرة حوله، وتركيبته، وكيميائيته، وألغازه، يضعنا كُلّ ذلك في موضع شكّ بأنّ هُنالك شيء أساسيّ خاطئ في فهمنا للشمس ولنظامنا الشمسي، وهذا ما يؤدي إلى فهمٍ خاطئ لجميع النجوم الأخرى.
قبل عقدين من الآن، ظنّ عُلماء الفلك أنّهم فهِموا الشمس تماماً، من خلال طُرق مُباشرة وغير مُباشرة لاستنتاج معدنيّتها، أنتجت هذه الطُرق أنّ ما يُقارب 1.8% من كُتلة الشمس هي معدن. وهذا التوافق في النتيجة أوصلهم إلى الإيمان بأنّهم فهموا طريقة قياسات النظام الشمسي، وكيفية عمل الشمس كذلك. لكن خلال القرن الواحد والعشرين، ازدادت دقّة أدوات قياس أشعّة الشمس، هذه الأدوات التي تقيس الأشعّة ومكوّناتها، ومن خلالها يمكن التعرّف على مكونات الشمس بشكل مُباشر، لأنّ كُلّ عُنصر يُشكّل خطوط امتصاص في الطّيف. وقد أثبتت هذه الأجهزة أنّ نسبة المعادن في الشمس أقل من المُتوقّع، وتوقّعت أنّها 1.3% فقط. لكن هذه النسبة مُختلفة حسب رأي علم دراسة الموجات الناتجة عن الشمس، إذْ استناداً إلى الطريقة غير المُباشرة في استنتاج معدنيّة الشمس، والمُعتمدة على الموجات الصوتيّة ذات الترددات المُختلفة، والصادرة من جوف الشمس، يُتوقّع أنّ نسبة المعدنيّة هي 1.8%!
عليه، إذا كانت نظرية عُلماء الفلك، المُسمّاة “نموذج النظام الشمسي الأساسي”، حول الشمس صحيحة، فإنّه على نتائج كل من علم دراسة الأطياف، وعلم دراسة أمواج الشمس، أنْ تكون متوافقة. لذلك، يجب أن يستطيع عُلماء الفلك استخدام القياسات الموجيّة لحساب عُمق حدّ الطبقة المهمّة في الشمس، التي تقوم بإنتاج الإشعاع الحراري، وهذا يرتبط ارتباطاً وثيقاً في كشف غُموض الشمس، أي معدنيّتها، ونسبة المعدن فيها. يجب أن تُخمّن هذه السلسلة من الحسابات نفس قيمة المعدنيّة التي حسبها جهاز قياس الأطياف من أشعة الشمس المُباشرة، لكنّ، مع الأسف، القيم لم تكنْ متوافقة.
يوضّح آسبلند:
“لا ترتبط هذه المُشكلة في فيزيائية النظام الشمسي فحسب، وإنّما تمتدّ لتصل إلى عِلم الفلك ككُل. حيث إمّا أنّ عُلماء الفلك لم يُدرِكوا كيف يُمكن قياس الكمّ الهائل من عناصر النجوم باستخدام المطياف، أو أنّهم لم يتعمّقوا في أن فهم بُطون النّجوم وكيف تتذبذب. لكن على أيّة حال، انطلاقاً مِن أنّ النجوم مسابير الكونِ الأساسيّة، فإنّ لهذا الموضوع تداعيات كبيرة. ومع الفيزيائية الفلكية للنجوم، ستُتاح إمكانيّة إعطاء المزيد من القواعد الأساسية لدراسة الفلك الحديث، ولدراسة الكون”
بعد سنواتٍ من الحديث عمَّا يُمكن أن يكون خاطئاً، خُذْ على سبيل المثال التكهّنات حول وجود مادة مُظلمة في الشمس، فإنّ المُناظرة قد وصلت إلى مأزقٍ لنقصِ المعلومات. لكن لا زال هُنالك أمل؛ إذْ وجدنا مؤخّراً تلميحاً صغيراً حولَ معدنيّة الشمس، آتٍ من جُسيمات عابرة مُنبثقة منها، تسمّى “النيوترينو الشمسية Solar Neutrinos”. تنتج هذه الجُسيمات من التفاعلات النووية في الشمس، وتكون ذات طاقات مُختلفة، و قد كانت الإشارة هي أنّ هذه الجُسيمات تحمل معلومات حول ماهيّة الشمس.
في مؤتمر حصل الشهر الماضي في هايدلبرغ، ألمانيا. قدّم مُختبر جران ساسو الوطني في إيطاليا Gran Sasso national laboratory نتائجه في تحديد نيوترينو تُعطي إشارة إلى قيمة المعدنيّة تصل إلى 1.8%، وهي النسبة التي حصلنا عليها في معظم التجارب السابقة.
إذا كانت هذه النتيجة صحيحة تماماً، ستُطرح الكثير من الأسئلة عن الخطأ الذي حدث في جهاز قياس الطيف لآسبلند وشركائه. ويوضّح آسبلندر أنّه إذا كانت المشكلة في جهاز المطياف، فإننا بالتأكيد سنكرر الأخطاء في تحليل النجوم الأخرى، وبالتالي هذا سيضرب جميع تحليلات التطوّر الكيميائي في النجوم والمجرّات، مثل مجرّتنا درب التبّانة.
لكن يُدافع آسبلند عن النسبة التي حصل عليها، وهي 1.3%، ويُشير إلى دراسة نُشرت في مجلّة نيتشر Nature العلمية، عام 2015، توضّح أنّ لانفاذيّة المعدن قد تزداد أكثر مما اعتقدنا في ظروف ارتفاع الضغط والحرارة، وهي الظروف التي تُشبه ظُروف نواة الشمس. وبتصحيح هذا الفرق في نموذج النظام الشمسي الأساسي، قد يُخضع تقديرات قياس الأمواج والنيوترينو إلى نسبة 1.3% لمعدنيّة الشمس.
في السنوات القادمة، يتوقّع فريق بوريكسينو Borexino أن يكشف عن نيوترينو شمسيّ نادر، يُنتَج في حلقة الـCNO، وهي تفاعل الانصهار الذي يتشارك فيه الكربون، والنيتروجين، والأكسجين، كَمُحفّزات في تحوّل الهيدروجين إلى هيليوم. ويُصرّح:
“إنّ النيوترينو الناتجة عن الـ CNO تتأثّر بشكل كبير بمعدنيّة الشمس، لذلك، فإنّ عملية قياس هذه الجُسيمات ستكون مُفيدة جداً.”
إذا تمّ التأكدّ من أنّ نسبة المعدنيّة في الشمس تؤول إلى الـ1.3%، سيعني ذلك أنّ نموذج النظام الشمسي الأساسي لديه مشكلة فعليّة في قضية اللانفاذيّة. ويوضّح آسبلند: “هذا يؤثر بشكل كبير وأساسي في كل الفلك، بما أنّ الفهم الدقيق لتطوّر الشمس يؤثر على كُلّ شيء نفعله تقريباً.”
إنّ الأعمار التي تمّ تقديرها للنجوم والمجرّات يجب أن تتم مُراجعتها إلى ما يُقارب 10%-15%. لسوء حظّ الشمس نفسها، ولسوء حظّ الحياة المستقبلية على الأرض، فإنّ نسبة المعدن القليلة تؤدّي إلى حرقٍ أسرع للوقود. لذلك، إن كانت نسبة المعدن هي الأقل، ستموت الشمس بعد مدّة تقلّ عمّا توقّعنا بمليار سنة.
- ترجمة: محمد يامين.
- تدقيق لغوي: نور عبدو.
رأيي كمهندس في تحديد معدنية الشمس بالقوانين الأرضيةلا تتفق مع التكوين الشمسي.. علي الأقل هذا التكوين قابل للتغيير خلال ملايين السنين