in

كنا بحاجة لعقود لنفهم الجاذبية، لولا آينشتاين!

كان عام 1905، حيث قلب ألبرت آينشتاين لتوه الفيزياء النظرية رأساً على عقب من خلال نشره ورقة بحثية، عُرفت لاحقاً باسم النسبية الخاصة. أظهرت هذه الورقة البحثية أن المكان و الزمان لا يمكن أخذهما بالقيمة المطلقة: الزمن قد يسرع أو يبطئ، الأطوال القياسية قد تنكمش، و الكتل قد تزيد.

أشهرها، الطاقة تعادل الكتلة، بما يتناسب مع بعضهم البعض، بناء على المعادلة الشهيرة E = mc² صحيح أنه لا يوجد شك بعبقرية آينشتاين في صياغة النظرية النسبية الخاصة، ولكن من المسلم به أن آينشتاين لم ينشر هذه النظرية عام 1905، ولكن بعض الفيزيائين قد فعلوا ذلك بعد فترة وجيزة.

حتى عام 1915 تجلت عبقرية آينشتاين التي لا تُضاهى عندما قام بنشر النظرية النسبية العامة. هذه النظرية ادعت أن الزمكان ينحني بما يتناسب، و بسبب ، ” كثافة عزم الطاقة “، و التي هي، الطاقة و العزم المرتبطين مع كل و أي نوع من أنواع المادة في وحدة حجم الفضاء.

هذا الإدعاء تم إثباته لاحقاً عندما ظهر أنه يناسب مشاهدات مدار عطارد غير العادي و انحناء النجوم حول الشمس

و على مدار القرن الماضي، تم اختبار النسبية العامة لتظهر دقة واضحة و صموداً في وجه النقد كل مرة. لقد كانت خطوة كبيرة للأمام، يُمكن القول أنه لو لم يقم آينشتاين بصياغة النظرية، فمن الممكن أن تكون قد بقيت غير مكتشفة لوقت طويل.

الطريق للنسبية العامة

في عام 1907 كان لدى آينشتاين ” أسعد فكرة في حياتي ” عندما كان يجلس في كرسي بمكتب براءات الاختراع في مدينة برن: إذا سقط شخص ما بحرية فهو لن يشعر بوزنه. قاده هذا  إلى مسلمة “مبدأ التكافؤ”، و التي تنص على أنه لا يمكن معرفة الفرق بين الإطار المرجعي للتسريع و الحقل الثقالي. على سبيل المثال، الوقوف على الأرض يعطي نفس الشعور كما الوقوف في سفينة فضائية تتسارع ب 9.81 متر في الثانية، و هو التسارع بالنسبة للجاذبية على سطح الأرض.

هذه كانت الخطوة الحيوية في صياغة آينشتاين لنظريته الجديدة في الجاذبية.

بعدها اعتقد آينشتاين أن ” كل الفيزياء هي علم هندسة “. و قد قصد بذلك أنه بإمكاننا التفكير بالزمكان و كل الكون من ناحية هندسية. و أكثر استنتاج إثارة للدهشة من النسبية الخاصة – هو الطبيعة الديناميكية للزمان و الفضاء – و الذي قاد آينشتاين للبدء بالتفكير في أن” هندسة ” الزمكان قد تكون بحاجة للتعديل.
بعدها، شرع آينشتاين في القيام سلسلة من التجارب بشكل متأن، حيث قارن الملاحظات التي أبداها المراقبون في إطارات القصور الذاتي و الدوران.

استخلص آينشتاين أنه بالنسبة للمراقبين في إطار الدوران، الزمكان لا يكون إقليدياً، أي أنه لا يكون مثل نوع الهندسة المسطحة التي نتعلمها جميعاً في المدرسة. ولكن عوضاً عن ذلك، سيكون علينا تعريف ” الفضاء المنحني” لحساب الحالات الشاذة التي تنبأت بها النسبية. الانحناء أصبح المفتاح الثاني  التي ترتكز عليه نظريته النسبية.

لوصف منحنى الزمكان، اشتغل آينشتاين على الأعمال المبكرة لبيرنهار ريمان، و هو عالم رياضيات من القرن التاسع عشر. و بمساعدة صديقه مارسيل جروسمان، و هو عالم رياضيات أيضاً، أمضى آينشتاين عدة سنوات مرهقة في تعلم رياضيات الفضاءات المنحنية أو ما يسميه الرياضيون ” بالهندسة التفاضلية “. و كما علق آينشتاين : ” مقارنة مع فهم الجاذبية، النسبية الخاصة كانت مجرد لعب أطفال “.

و الآن أصبح لدى آينشتاين الأدوات الرياضية لكي ينهي نظريته. مبدأ التكافؤ الخاص به ذكر أن الإطار المرجعي للتسارع يعادل الحقل الثقالي. من دراساته الهندسية، اعتقد أن الحقل الثقالي كان مجرد مظهر من مظاهر منحنى الزمكان. و بالتالي استطاع آينشتاين إظهار أن أطر التسارع كانت ممثلة بفضاءات غير إقليدية.

ما ترتب على ذلك

المفتاح الثالث بالنسبة لآينشتاين تضمن حل التعقيدات التي ظهرت عند تطبيق النسبية الخاصة على فيزياء نيوتن في الجاذبية. في النسبية الخاصة، ثبات سرعة الضوء في كل الأطر المرجعية، و الاستنتاج بأن سرعة الضوء تعين الحد الأعلى للسرعة في الكون، كان في تناقض مباشر مع نظرية نيوتن في الجاذبية، و التي تفترض التأثير الفوري للجاذبية.

ببساطة: جاذبية نيوتن تنبأت أنه إذا أزيلت الشمس من النظام الشمسي، فإن تأثير الجاذبية على الأرض سيكون لحظياً. و لكن نظرية النسبية الخاصة تقول أنه حتى لو اختفى تأثير جاذبية الشمسن، يجب السفر بسرعة الضوء.

آينشتاين عرف أيضاً أن قوة الجاذبية بين جسمين تتناسب طرداً مع كتلتهما، من نظرية نيوتن F = GMm/r² لذلك تحديد الكتلة بشكل واضح هي التي تحدد قوة الحقل الثقالي. النسبية الخاصة تخبرنا أن الكتلة معادلة للطاقة، لذلك كثافة عزم الطاقة يجب أيضاً أن تحدد قوة الجاذبية.

الافتراضات الثلاثة الأساسية التي استخدمها آينشتاين لصياغة نظريته:
– الإطارات الدورية (غير القصور الذاتي) تنطوي على زمكان غير إقليدي (أو منحني).
– مبدأ التكافؤ يؤكد أن إطارات التسارع (غير الأطر بالقصور الذاتي) معادلة للحقول الثقالية.
– من النسبية الخاصة، الكتلة تعادل الطاقة، و من فيزياء نيوتن ، الكتلة تتناسب مع قوة الجاذبية.

و من ثم أصبح آينشتاين قادراً على استنتاج أن كثافة عزم الطاقة تسبب، و تتناسب مع انحناء الزمكان.
ليس من الواضح متى حصل آينشتاين على الفكرة، اللحظة التي استطاع أن يضع الأحجية مع بعضها و ربطها بالكتلة/ الطاقة مع انحناء الفضاء.

من عام 1913 حتى 1915، قام آينشتاين بنشر عدة أوراق بحثية و سعى جاهداً لاستكمال النظرية العامة. بعض هذه الأوراق احتوت على أخطاء و أحبطت مسارات آينشتاين النظرية و لم تكن مثمرة في نهاية المطاف.
ولكن النتيجة النهائية، حيث كثافة عزم الطاقة لمنحنيات الزمكان، تشبه كرة بولينج تنحني على ورقة مسطحة من المطاط، و أن حركة الكتلة في الحقل الثقالي تعتمد على انحناء الزمكان، كما لو أن كرة البولينج تتحرك بحرية على ورقة المطاط، هذه بالتأكيد أحد أعظم أفكار العقل البشري.

البداية

كم كان سيلزمنا لكي نفهم الجاذبية دون عبقرية آينشتاين؟ كان من الممكن أن ننتظر عدة عقود.
على كل حال، سنة 1979 خرج القط من الحقيبة. في ذلك العام، اكتشف علماء الفلك ” الكوازار التوأم ” QSO 0957+561، أول كوازار عدسة الجاذبية.

هذا الاكتشاف المذهل لن يكون منطقياً إلا إذا كان الزمكان منحنياً. سيكون بالتأكيد قد اجتذب جائزة نوبل لولا عبقرية آينشتاين.

المصدر

  • ترجمة: ندى العبود.

بواسطة الفضائيون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأوروبيون القدماء قد يكون لديهم أجداد أجداد من النياندرتال!

حفرية جديدة تكشف عن الأسلاف البعيدة للزرافات